• الكنيسة والفكر المعاصر 2: هل اختزلنا الوصية بأن نحب الرب من كل فكرنا؟ بقلم: بطرس منصور
الكنيسة والفكر المعاصر 2:  هل اختزلنا الوصية بأن نحب الرب من كل فكرنا؟  بقلم: بطرس منصور

في مقالي الأول في موضوع علاقة الكنيسة والفكر في عصرنا اتيت بمسح لسِمات رئيسية لماهية الكنيسة وارساليتها. والهدف من هذا المسح هو فحص هل للفكر دور في تتميم الكنيسة لارساليتها . ولكن قبيل اجراء الفحص سنتأمل في احدى جوانب الفكر في حياة المؤمن الفردية.

يقول الكتاب في احدى اشهر المقاطع الكتابية:

 "وسأله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه: «يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس؟»  فقال له يسوع: «تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء».(متى 22: 35-40).

لقد كتبت المجلدات وتم تقديم تأملات وتعليم وعظات لا عدّ ولا حصر لها لهذا المقطع . ولكن عدم التدقيق والاهمال قد قادا  كثير من المسيحيين  الى حذف "ومن كل فكرك" من الآية في هذا المقطع المفصلي.

باهمالنا لمحبة الله من كل فكرنا اضحت محبتنا منقوصة وغير مكتملة. وما هي محبة الله من كل الفكر التي يطلبها الرب من كل مؤمنيه؟ انها المحبة عن وعي وفهم وادراك وتعمق . فمن جهة لقد ترك الرب اموراً غامضة ويتوجب ان نقبلها كما هي اليوم ولنتحلى بالصبر لكي نفهمها لاحقاً من الرب نفسه حين نلتقي به وجها لوجه. ولكنه بالمقابل خلق لنا الرب العقل وطلب ان نحبه من كل عقولنا (كما من كل قلبنا ونفسنا). ومن هنا يطلب منا الرب استخدام عقولنا لنفهم ما كشفه امامنا. ان استعدادنا لاستخدام عقولنا هي اشارة لمحبتنا له. فالخمول اشارة اللامبالاة والركود بينما الاستعداد والنشاط والحركة تشيرلفعالية المحبة العاملة. لأجله نستخدم وننشط ما ائتمنا عليه من عقل وفكر. نستخدم ذهننا  لندرك ابعاد حبه على الأصعدة التالية :

1) محبته التي تجلت بعظمة ودقة وجمال واتقان الكون والخليقة وابهى ما فيها (الانسان) وكيف ان هذا يقودنا الى تقدير مضاعف لجبروته ووفضله ومحبته للبشر- فيزيد حبنا له. نستخدم ذهننا فنتأمل في روعة الطبيعة واتساع الفضاء، فنحبه اكثر. نعاين وندرس بروح التأمل في جبل الشيخ وقد غطته الثلوج والبحر الميت باملاحه وساحل غزة بزرقة بحره وجبل الكرمل وقد امتزج بالخليج... نراها ونتعمق فيها فنندهش من خالقها ونحبه اكثر! كما نستخدم فكرنا فنقرأ ونتأمل في اتقان وتركيب جسد الانسان المعقد مثل اسرار جيناته ومعجزة ذهن الانسان والتناسق المذهل بين الاعضاء ، فنحبه اكثر! ندرس علم النفس على نظريات فرويد واريكسون وبياجيه فنرى قليلا من عظم تركيب النفسية البشرية فنقدّر خالقها، فنحبه اكثر! ادرس الفلسفة وعلم الانسان وحتى الرياضايات والفيزياء فتجد الحق بين ثناياها فتقدّر الرب وتحبه أكثر.

2) محبته التي تجلّت بكلمته الحية. دراستنا للكلمة بغناها وخلفيتها ومعانيها المختلفة. انها تزيد محبتنا له لأننا نفهم جوانب اضافية من وحي الحق الكتابي. نقرأ قصص تعامله مع شعبه في القديم فنقدّر طول اناته. ندرس قصة حياته البهية على الارض فنقدّر يسوع ابن  الانسان. ندرس رحلة الصليب ونفهمها أكثر فنعرف نزراً يسيراً من عمق محبة الأله، فنحبه اكثر. نقرأ كتب تيم كيلر او كينيث بيللي او جون اوتبرغ او ابراهيم سعيد او حنا كتناشو او نسمع عظات تأملية  أوتفسيرية للكلمة  ونستخدم اذهاننا لنفهم ونتعمق... فيزيد تقديرنا للكلمة ومحبتنا له.

3) محبته كما تتجلى في تعاملاته الشخصية معنا اذا يباركنا ويقوّمنا ، يشجعنا وينهرنا، يمدحنا ويصححنا... كما انه يمررنا بتجارب مفرحة ويسمح بتجارب مؤلمة. التأمل عن كثب عمّا يمررنا فيه الرب وفهم كونها تعمل كلها معاً للخير تزيد محبتنا له بالفكر. اذا تذكرنا تعاملاته جيدا وتأملنا بمجرى حياتنا من منظور تاريخي وبأثر رجعي فعندها لربما فهمنا تعاملاته المؤلمة  في فترة سابقة معينة . فمثلا قد يمنع الرب عنك نجاح مادي لانه يعرف  ان حصولك عليه سيؤذي حياتك العائلية او الروحية وهو يعرف جبلتنا وصورنا من البطن. ان هذا الفهم (مع انه ستبقى يالتأكيد امورا عديدة لا نفهمها على الأرض) سيزيد تقديرنا ومحبتنا للاله المحب.

الله نفسه هو اله الفكر وهو المعلم وصاحب كل حكمة. لقد طلب من مؤمنيه ان يحبوه من كل فكرهم. اننا نعمل حسنا ان اخذنا الوصية بمحبة الله بالابعاد المختلفة والا نختزل اي منها.

يتبع....

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع