• اخلاقيات التبشير - القس عازر عجاج
اخلاقيات التبشير - القس عازر عجاج

مما لا شك فيه أن موضوع التبشير ومشاركة البشارة المسيحية، موضوع يجب أن يشغل كل مؤمن مسيحي صادق في إيمانه. فمأمورية المسيح العظمى، "اذهبوا الى العالم أجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها" (مرقس 15:16)، وصية تسطع كشمس الظهيرة في كبد سماء إيماننا الانجيلي، ولا يمكن التغاضي عنها ولا إهمالها. ولذلك يجب أن تصبح شهادتنا المسيحيّة لمحبة الله وخلاصه من خلال المسيح، نهج حياة نابع من هذه الوصية، فيه نُظهر المسيح من خلال سلوكنا وكلامنا. ودافعنا لهذه الشهادة ليس طاعة الوصية فحسب بل أيضاً تعبير عن محبتنا واهتمامنا الحقيقي بالآخرين. لكن اهتمامنا الصادق بالناس وغيرتنا المخلصة للعيش بحسب هذه المأمورية، يجب أن يَظهر في احترامنا لهم أيضاً، وعلينا أن لا نسمح لغايتنا (بالرغم من صدقها) أن تبرر وسيلتنا. وسأوضح ما أقصد في الاسطر الآتية.

 

يضع عدد لا بأس به من المسيحيين على صفحات التواصل الإجتماعي فيديوهات لشيوخ مسلمين يذكرون حقائق علمية او لاهوتية سخيفة يُضحِكون عليهم الجميع، أو يأتون بحقائق تاريخية مغلوطة لتبرير تعاليمهم، أو يتفّوهون بتحريضات عنصرية بغيضة، يرفضها كل انسان حضاري. ويضع هؤلاء الاشخاص أيضاً تسجيلات لشيوخ يمدحون المسيحية ويعظمونها، حتى أن بعضهم يغالي في تعظيمه وتوقيره للمسيح. وهنا أتساءل بعض الاسئلة، خاصة بما يتعلق بالغرض من عرض هذه التسجيلات؟ هل هذه أفضل طريقة نوصل بها رسالتنا وقناعتنا؟ هل إنجيلنا عاجز ان يلمس القلوب والأذهان حتى استعضنا عنه بهذه التسجيلات التعيسة؟ هل سيشعر المسلم الذي نحاول توصيل البشارة له، بمحبتنا وغيرتنا واهتمامنا به وبأبديته، عند سماعه هذه التسجيلات؟ هل عنصرية أحد الشيوخ، أو حتى جميعهم، هو ما سيُقنعه بصحة المسيحية؟ وما جدوى مدح الشيوخ لسمو تعليم المسيح إن كانوا في الوقت ذاته ينكرون صليبه وقيامته؟ أليس ما نقوم من عرض لهذه التسجيلات ما هو إلا ترويج لإيمان بِنَبي ومعلم أخلاقي، لكن ليس رباً مصلوباً قائماً من الموت؟  

 

ومن ناحية أخرى كيف كنّا سنشعر لو قام أحدهم ببحث عن المسيحية ثم عاد بعدها ليعرض لنا أفلامًا نجد فيها رجال دين مسيحيين يقدمون تعاليم سخيفة ويقومون بممارسات لا يمكن أن نقول عنها سوى انها مهزلة. وعلى فكرة الامثلة هنا كثيرة، أكثر مما نتوقع. ماذا لو أتوا لنا برجال دين مسيحيين يُحرّضون على الآخرين ويبّثون الكراهية والعنصرية لكل من لا يشبههم. أو لربما نشروا تسجيل لكهنة أو قسوس يغالون بتمجيدهم للديانات الأخرى مثل الاسلام واليهودية، مؤكدين أن كلها ديانات سماوية. ماذا لو أتوا بتقرير مفصل عن قسس يدعمون الحرية الجنسية ولا يجدون في المثلية أية مشكلة، فيُزوّجون أشخاصًا من الجنس نفسه ويعلنون أن هذا الزواج مقدس باسم المسيح؟ ماذا كنّا سنشعر عند مشاهدة أشياء كهذه؟ هل كنّا سنقول انهم لا يمثلوننا؟ هل كنّا سنقول انهم لا يمثلون كلمة الله؟ بالطبع كنا سنقول هذا، وسنغضب ونتضايق، ونتهمهم بالعنصرية والكراهية والحقد. فلماذا نفعل للآخرين ما لا نرضاه لأنفسنا؟

 

نعم، علينا جيمعنا أن نشارك بإيماننا، والمطلوب منا ان نشاركه بأخلاق مسيحية. إن الكرازة بالانجيل تعني تقديم أفضل ما لدينا، وليس أسوء ما عند الآخرين. وإن كنا نريد أن نتحاور مع من يختلف عنا فلنتحاور بطريقة تحترم الآخر حتى بإختلافه، فأنا لا أدعو هنا لعدم المواجهة بالأخطاء والعقائد فهذه يمكن مناقشتها بحوار منفتح إن أمكن (وانا أدرك التحديات هنا). ولكن في كل الأحوال علينا أن نتذكر أن "إنجيل المسيح هو قوة الله للخلاص"، ودورنا ببساطة مشاركة هذا الانجيل، بروح المحبة والاحترام والتواضع، تاركين المجال للروح القدس ليعمل في قلوب الناس من حولنا ويفتح عيونهم ليروا محبة الله التي ظهرت في شخص المسيح يسوع ربنا.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع