• تحليل - أسباب وجدوى اغلاق كنيسة القيامة في القدس
تحليل - أسباب وجدوى اغلاق كنيسة القيامة في القدس

في خطوة غير مسبوقة عقد اليوم في باحة كنيسة القيامة- اقدس الإمكان المقدسة عند المسيحيين- مؤتمراً صحفياً. وقرأ بطريرك الروم الأرثوذكس البيان الذي وقّعه هو وحارس الأراضي المقدسة وبطريرك الأرمن  واعلنوا في نهايته عن اغلاق كنيسة القيامة لأجل غير مسمى نظراً للممارسات الإسرائيلية ضد المسيحيين.

ما هي هذه الممارسات التي حذت برجال الدين المذكورين ان يتخذوا مثل هذه الخطوة الاحتجاجية الحادة.

الأولى هي ممارسة لبلدية القدس التي قررت الآن تفعيل قانون قديم متعلق بضرائب البلدية على الاملاك (الارنونا). القانون يقضي ان دور العبادة فقط معفاة من دفع الارنونا. وقد جرت العادة لعشرات السنين الا يتم دفعها ايضاً من المؤسسات التي تملكها الكنيسة مثل نزل الحجاج والفنادق ودور الايتام والمدارس وغيرها. وقد قررت بلدية القدس - اذ تتواجد ضمن صلاحيتها عشرات المؤسسات التابعة للكنائس المختلفة- ان تطبق القانون وتفرض الضرائب البلدية بملايين الشواقل شهرياً ضدها وقد بدأت بالفعل بالعمل على ذلك وفرضت حجزاً على المؤسسات الكنسية اثر عدم دفع "الديون" باثر رجعي. يتعارض هذا الاجراء مع الاتفاق غير المكتوب بين الدولة وبين الكنائس فيها والمعروف ب-"ستاتوس كفو" أي الاتفاق الذي ينص على عدم تغيير الوضع الحالي بين الدولة والكنائس وبين الكنائس بعضها مع بعض! وليس ذلك فقط ، وانما الاتفاق بين إسرائيل والفاتيكان بالأحرف الأولى والذي وقّع في بداية التسعينات من القرن الماضي يقضي بأن يتم الاتفاق بين الطرفين حول الأمور المختلفة (وبضمنها الوضع القانوني والضرائب) في المفاوضات والا يتم أي تغيير في التطبيق قبل انتهاء المفاوضات. غنى عن البيان ان المفاوضات ما زالت مستمرة بين الطرفين ولكن بلدية القدس قررت بشكل احادي الجانب ان تفرض الضرائب وتغيّر الوضع القانوني بشكل يناقض الاتفاقية المذكورة ايضاً. كما ان فرض هذه الضرائب على المؤسسات التابعة للكنيسة بالذات امر مستهجن في الوقت الذي تحظى مؤسسات يهودية على امتيازات واعفاءات ضريبية لا حصر لها.

يتكهن البعض ان أسباب فرض بلدية القدس لهذه الضريبة اليوم هي رغبة رئيس البلدية صاحب الميول اليمينة نير بريكيت ان ينافس على رئاسة حزب الليكود ورغبته بواسطة هذه الخطوة تقديم الاثبات انه يميني النزعة بما فيه الكفاية ليكسب التأييد اليميني الذي يسعد لما فيه فرض قوة واهانة لغير اليهود. من الصعب الاقتناع ان مثل هذا الاجراء الحساس والذي يقيم العالم المسيحي ضده (كما تجلى في الخطوة غير المسبوقة أعلاه) يمكن ان يدخل الى حيز التنفيذ دون تنسيق وموافقة رئيس الحكومة نفسه!

الاجراء الثاني الذي اثار غضب رؤساء الكنائس يتعلق بمبادرة تشريعية في الكنيست من المفروض ان تبت الحكومة بواسطة لجنة التشريع والقانون بخصوص دعمها او لا اليوم، وقد حصلت حتى الآن على دعم 61 عضو كنيست فمن هنا هي قاب قوسين او ادنى من تمرير قانون بخصوصها في الكنيست.

موضوع هذه المبادرة هو قسائم الأراضي الكبيرة في القدس التي قامت الكنائس (وبالذات الارثوذكسية) بتأجيرها للامد البعيد (أي ل-99 عاماً باغلب الحالات وليس بيع كامل) وذلك خلال عشرات السنين الأخيرة لشركات بناء خاصة. وقامت هذه الشركات ببناء مشاريع سكنية ضخمة عليها وبيعها لمواطنين يهود. عندما تنتهي فترة التسعة والتسعين عاماً فان الأرض وما عليها تعود للكنيسة . ومن هنا تخشى الحكومة من مغبة ذلك ومن مصير المواطنين الذين اشتروا العقارات على الأراضي التي أجرتها الكنيسة للشركات المذكورة. ومن هنا فان المبادرة التشريعية جاءت لتسمح للدولة مصادرة هذه الأراضي الكنسية عند انتهاء فترة تأجيرها وتقديم التعويض للشركات التي بنت عليها المشاريع السكنية. وتقضي المبادرة ان تتم المصادرة للأراضي التابعة للكنيسة بأثر رجعي أي حتى على أراضي تم تأجيرها.

وللحق يقال ان طريقة التأجير للأمد البعيد الشائعة في البلاد تتم عن طريق الحكومة لأغلب البيوت في البلاد ويتم تمديد فترة التأجير بعد انتهاء فترة التأجير بشكل تلقائي لا يثير أي خشية عند الساكنين فيها. ولكن الإشكالية هنا ان الأراضي هي للكنائس ويخشى المواطنون وبحق ان تطالب الكنيسة بإرجاعها اليها فيخسر المواطنون بيتوهم. غير ان الطريقة التي يريد أعضاء الكنيست انتهاجها وهي مصادرة الأرض بدل محاولة التوصل لاتفاق مع الكنائس المالكة وهي التي اثارت حفيظة رؤساء الكنائس وادت لهذا الاجراء الخطير.

يثير هذا الاجراء المتطرف عدة أسئلة:

1- أليس اغلاق كنيسة القيامة امام الحجاج اجراء متطرف ليس بعده اجراء؟ يبدو للمراقب انه لم تسبق هذا الاجراء خطوات تصعيدية. ماذا سيفعل رؤساء الكنائس اذا اهملت الحكومة الامر ولم تستجب له ولم تلتفت للخطوة التي انتهجها  رؤساء الكنائس ولا ما قد يتبعها؟ أي اجراء يمكن ان يلحق بعد اغلاق اقدس الأماكن للمسيحيين؟   

2- تورط البطريرك ثيوفيلوس في صفقات بيع أراضي لمجموعات يهودية مختلفة ويقيم الأرثوذكس العرب حملة ضده متهمين إياه بالتواطؤ مع السلطات لتصفية أراضي الكنيسة. وها هو يقف بنفسه اليوم على رأس المحتجين ويقرأ البيان حول اغلاق الكنيسة؟ كيف يستوي هذا مع ذاك؟ هل اغلاق الكنيسة جاء بالتنسيق مع السلطات ولتبييض صفحته؟   

3- هل من المناسب ان اكثر الأماكن المقدسة على وجه الأرض- المكان الذي قام فادي البشرية فيه من الموت منتصراً على الموت ومعطياً الحياة- يصبح لعبة او أداة  للاحتجاج ضد الحكومة؟  

4- لماذا قرر رؤساء الكنائس القيام بهذه الخطوة اليوم بينما احجموا عن أي اجراء مشابه عندما اضربت المدارس المسيحية لحوالي شهر من الزمن في أيلول 2015؟ هل أمور الأرض والضرائب اهم من الناس والمسيحيين ووجودهم في البلاد؟

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع