• لئلا نفقد عاطفة الحنو والعطف ! بقلم: بطرس منصور
لئلا نفقد عاطفة الحنو والعطف !  بقلم: بطرس منصور

اثارت الاحداث الأخيرة في غزة وحصد أرواح ستين شخصاً وآلاف الآخرين من الجرحى خلال يومين فقط أسئلة عديدة. ولكن لفت نظري جانب بعيد عن السياسة او العقيدة او التاريخ- وهو أي عواطف تحرّك فينا هذه الحادثة كمسيحيين وهل هي مبررة؟

سأفتتح الموضوع من الزاوية الطبيعية: زاوية حجر الزاوية نفسه- الرب يسوع- فهو مثالنا ومن يتوجب ان نحتذي به.

يسوع هو المحبة بذاتها. انه من ضحى بذاته واتّضع ليموت وهو ملك الملوك. انه المحبة الخالصة التي لا مثيل لها. وفيما عدا المحبة التي لا يعبّر عنها التي تجلّت على الصليب لأجل الخطاة، فان يسوع اظهر محبته وحنوه ورحمته وشفقته على البشر خلال مسيرته على هذه الارض. لم يخجل يسوع ان يُظهر عواطفه: فلقد بكى على حبيبه العازر عند القبر وبكى على اورشليم حين نظر اليها من جبل الزيتون وعرف مصيرها. لم يكن ناموسيا عديم المشاعر اذ نظر الى الناس بحنو وعاطفة جياشة وأشفق عليهم. نظر يسوع الى الشاب الغني وأحبه (مرقس 10: 21) والى الجموع فتحنن عليها (متى 9: 36). وعمل الرب عشرات حالات الشفاء واخراج الشياطين والتي نبعت من قلب محّب اذ رأى حاجات الناس وبؤسهم وألَمهم وضيقهم فعمل على ازالتها بقوته السرمدية. ألم تكن تلك أصلاً ارساليته التي عبَر عنها في كلمته في بداية خدمته في مجمع الناصرة من تبشير للمساكين وشفاء اليائسين والحرية للمساجين والبصر والبصيرة للعمي والتحرير للمظلومين (لوقا 4: 18-19)؟

وكان الرسول بولس قد ذكر صفة انعدام الحنو كإحدى صفات الناس في الايام الأخيرة (2 تيم 3:3) لكن السؤال هو: هل تسللت هذه الصفة الى شعب المسيح الذي لطالما تحلى بالحنو والرحمة وتميز خلال العصور بما قدمه من مشاريع ومبادرات قدمت الرحمة والمساعدة للناس دون تمييز في العِرق والدين؟ تميّز المسيحيون خلال العصور بمحبة القريب فتشبهوا بسيدهم وسافروا الى بقاع الأرض ليشعّوا فيها علماً حيث الجهل وصحة حيث المرض، فبنوا المدارس والجامعات ودور المسنين ومآوي للنساء المضروبات ولليتامى وللمغتصبات وللمعاقين ولكل من جارَ عليه الدهر...

من المؤسف ان نرى غياب تلك الرحمة في مأساة غزة المستمرة والتي وصلت ذروتها في احداث الأيام الأخيرة لكنها قائمة من قبل ذلك بالجوع والبطالة والفقر ومنع السفر اثر الطوق على غزة وانعدام مياه الشرب الصالحة وتحديد وصول تيار الكهرباء لأربع ساعات يومياً فقط. للأسف نشهد طمس لرحمة المسيحيين بسبب الأفكار المسبقة والتبريرات السياسية والفروقات الدينية. احياناً كثيرة تخنق هذه التبريرات الرحمة فاما تكبتها وتخفيها عن الوجود واما تجعلها انتقائية- لناس وناس ولشعوب وشعوب. ويناقض ذلك وصية الرب الذي نهانا من مغبّة أن نحب ونشفق على من يحبوننا فقط (لوقا 6: 32).

البعض يبرر التوجه القاسي وعدم الحنو ولا التعاطف مع من قُتلوا بانهم تظاهروا او انهم أرادوا عبور الحاجز عنوة او انهم حُرِّضوا من قبل حركة حماس او انهم دعموا او اشتركوا بعمليات عدوانية في الماضي وغيرها. والانكى حين يبرر البعض ذلك بتبريرات من عالم الغيب او سيناريوهات آخر الأيام.

هل أي من هذه التبريرات المذكورة تبرر قتلهم؟! هل أي واحد من التبريرات تبرر ان نخطف حياة منحها باريها؟ هل هي تبرر قبول حصد روح من خُلق على صورة الله ومثاله؟

واصلاً – السنا جميعاً خطاة؟ هل الخطأ يبرر خطأ آخر؟

ليت الرب يزيل طبقات التبرير التي وضعت غشاوة على اعيننا وعلى عصب المحبة في أعماق قلوبنا، فنرحم ونحب كما مخلصنا ونعطف على غيرنا دون انتقائية بل بمحبة شديدة ليعرف العالم اننا تلاميذه.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع