• الظهور لتوما - القس حنا كتناشو
الظهور لتوما - القس حنا كتناشو
لا تَكُنْ غيرَ مؤمنٍ بل مؤمناً (يوحنا 20: 27)
 
تأنَّسَ المسيحُ وعاشَ مُظهراً كلَّ الفضائلِ. كان بلا خطية. شاهدَهُ التلاميذُ يعيش حياةَ القداسةِ. لم يكذبْ ولا مرةً واحدةً. كلُّ ما قاله كان صحيحاً. وما تنبأَ به حصلَ. شفى الأعمى وأقامَ الميتَ وهدَّأ العاصفةَ. صنعَ المعجزةَ تلو الأخرى. شاهدَهُ توما وهو يصلي وهو يهدَّأ البحرَ وعندما كثَّـر الخبـزَ والسَّمك وعندما أمرَ الأرواح فأخرجها بكلمة. ولـما مات المسيحُ وقُبـر فقدَ توما إيمانَه. احتاج توما إلى سماع كلمات السيد المسيح القائلة: "لا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمناً". 
 
ألا تؤمن يا توما أنَّ المسيحَ نسلُ المرأة وأنّه يسحق رأسَ الحية (تكوين 3: 15)؟ ألا تؤمن أنَّه وُلد من العذراء خلافاً عن باقي الجنس البشري؟ ألم تسمع شهادةَ مـتى ولوقا والعذراء المباركة؟ ألا تؤمن يا توما أنَّ المسيحَ هو من نسلُ إبراهيم؟ ألا تؤمن أنَّ المسيح هو البركةُ الإبراهيمية الَّذي تتبارك فيه جميعُ قبائل الأرضِ (تكوين 12: 1 – 3)؟ ألا تفهم خطةَ الله، خطة مُحب البشر الَّذي بذلَ ابنَه الوحيد لكي لا يهلك كلُّ من يؤمن به؟ ألا تؤمن يا توما أنَّ المسيحَ هو الَّذي قال عنه موسى: "يقيم لك الرَّبُ إلهك نبياً من وسطك، من إخوتك مثلي. له تسمعون" (تثنية 18: 15)؟ ألا تؤمن يا توما أنَّ المسيحَ هو نسلُ داودَ الَّذي يبـني مملكةً ربانيةً وأبديةً ويحقق الوعودَ الدَّاوديةَ (2 صموئيل 7: 14 – 16)؟ ألا تؤمن أنَّه الراعيُّ الصَّالحُ الَّذي ينهي السَّبي ويجلب العهد الجديد والّذي تكلَّم عنه إرميا وحزقيال وغيرهم؟ 
 
ألا تؤمن يا توما أنَّ الكُتبَ تحدَّثت عن موته وأنَّه الشَّاةُ الـتي تُساقُ إلى الذبح في إشعيا 53 وأنّه التَّقيُّ الذي لن يُتـركَ في الهاوية في مزمور 16 وأنَّه موضوعُ العهد القديمِ ونبواته الكثيـرة؟ ألا تؤمن بعشرات الأقوال الـَّتي رواها السَّيدُ عن موته وقيامته؟ ألا تؤمن بحكمته وسيادته على كلّ الظُّروف؟ ألا تؤمن بانتصاره على الشَّيطان وتحديات الشَّر الكثيـرة؟ ألا تؤمن بعدالةِ الله وحبه لمسيحه ولكنيسته ولخليقته؟
 
ألا تؤمن يا توما بشهادة مريمَ المجدليةِ الَّتـي ذهبت إلى القبـرِ؟ وماذا عن يوحنَّا الَّذي رأى القبـرَ فارغاً فآمنَ؟ وماذا عن الجنودِ الَّذين هربوا من الزَّلزلة؟ وماذا عن التَّلاميذ الَّذين يشهدون أنَّه ظهرَ لَهُم؟ ألا تقبل شهادةَ الكنيسة؟ ألا ترضى ببكاءِ الطَّبيعة وتتجاهل الشَّمسَ الَّـتي اختفت وقت الصَّليبِ وتتغافل عن تزلزل الصُّخور وانشقاق حجاب الهيكل؟ ألا تُلاحظ تغـيـُّـرَ قلوب التَّلاميذِ؟ ألا تُلاحظ تلميذي عمواس وما حصل في قلوبهم؟ 
رغم كلّ هذه الأمور والأدلة والبـراهين في الطَّبيعة والنُّبوات والمعجزات والشَّركة مع الله المتأنس، أما زلت لا تؤمن؟ لم يتـرك اللهُ توما أسيراً لعدم الإيمان. فبعد ثمانية أيام من القيامة ظهرَ المسيحُ لتوما وأظهرَ له الأيدي المثقوبةَ والجنبَ المطعونَ. وقال له: "لا تكُن غيـرَ مؤمنٍ بل مؤمناً". 
 
أيُّها الأحباء قد تواجهون الكثيـرَ من الأفكارِ والمشاعرِ والمخاوفِ الَّتي تقودكم إلى عدم الإيمان. قد تتجاهلون الأدلةَ والبـراهينَ. أَيُثبت عدمُ رؤية الأعمى للشمس أنَّها غيـرُ موجودةٍ؟  عدمُ سماعنا لصوت الله لا يثبت عدمَ تكلّمه. عدمُ إحساسنا لا يثبت أنَّه لا يحملنا في الظُّروف الصَّعبة. لقد كان اللهُ يرى ويسمع ويحسّ بتوما. وعيّن زماناً ومكاناً للقاء عدم الإيمان بالبرهان الإلهي اليقين. 
 
قام المسيحُ وقيامتُه ذروةُ قصةِ اللهِ. هي المعـنى الَّذي يجعل العهدين القديم والجديد يتلاقيان. هي الرَّجاءُ وهي جوهرُ الإيمان وطريقُ حُب اللهِ. وأمام هذه القيامة لا يستطيع المرءُ إلَّا أنْ يُعلنَ كما أعلنَ توما بقوله: ربي وإلهي. هذه الكلمات تعـني حرفياً: أنت الربُّ لي وأنت اللهُ لي. أدركَ توما بالقيامةِ ألوهيةَ المسيحِ وربوبيتَه على كلِّ الخليقةِ. هل قام المسيح حقاً؟ فإن كان قد قام فهو اللهُ وهو واحدٌ في الجوهرِ مع الآب والرُّوح كما أدعى في أكثـر من مرةٍ. وإن كان قد قام فهو الربُّ الَّذي يسود على كلِّ الخليقة وحتَّى على الموت والهاويةِ. المسيحُ قام وظهرَ لتوما. فلا تكن غيـرَ مؤمنٍ بل مؤمناً. 
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع