• حيث كنزك هناك يكون قلبك- مبادئ لصرف الأموال في الكنائس - بقلم: بطرس منصور
حيث كنزك هناك يكون قلبك- مبادئ لصرف الأموال في الكنائس - بقلم: بطرس منصور

حذر الرب يسوع تلاميذه خلال الموعظة على الجبل من مغبة وضع ثقتهم في كنوز العالم اذ قال: "لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون". (متى 6: 19-20).

 وتعتبر كلماته هناك خالدة ونافعة لكل جيل ولم يسمعها الجمهور على ضفاف بحيرة طبريا فحسب، ولكن قرأتها الاجيال في كل زمان من اقطار العالم. ويفسر الرب يسوع كلماته فيضيف كلمات خالدة هي الأخرى تخاطب القلب البشري لأنها تعبر عن طبيعته: "لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا" (عدد 21).

ويخطئ البعض اذ يعتبرون ان الرب يقصد المال فقط اذ يتحدث عن "الكنز". انه يقصده طبعاً فهو وسيلة المقايضة ولغة العالم وهو أصلا المردود عن كثير من فعالياتنا. ولكنه يشمل مواردنا الأخرى ايضاً مثل الوقت والجهد والانتباه والطاقة. فمثلا من الممكن ان رغبة انسان ما هي ان يكون مركز اهتمام وود الناس فيستثمر جهد ووقت (وهو قلبه) لكي يكسب ذلك الانتباه (وهو كنزه).

تعتمد كنائس وهيئات كثيرة على المتطوعين الذين لا يألون جهداً لكي يساهموا بخدمات كنيستهم او هيئتهم لإيمانهم برؤياها وإرساليتها او لمحبتهم لراعيها او لقادتها. ولكن يصعب الاعتماد الكلي على المتطوعين وتحتاج الكنائس والهيئات لموارد مالية لدعم متفرغين فيها ولتفعيل نشاطات أخرى، وهكذا يصبح المال جزأ لا يتجزأ من حياة الكنائس. ولكن كيف يكون هذا بعد ان حذر الرب من سيادة المال على الحياة؟! فلقد قال بعد القطعة أعلاه بجملتين: "لا يقدر احد ان يخدم سيدين لأنه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد ويحتقر الاخر. لا تقدرون ان تخدموا الله والمال" (عدد 24) او بتحذير سامعيه من صاحب المال: "ان مرور جمل من ثقب ابرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله" (متى 19: 24).

لقد عرفت الشعوب ان  لمانح الأموال سطوة  وسيطرة على مستلمها فقامت بوضع التقييدات والأنظمة الدقيقة مثلا بما يتعلق بالتبرعات للقادة السياسيين لدعمهم في مساعيهم الانتخابية. لقد سعى المشرع ليمنع استغلال المتبرع لسطوته على السياسي لمآربه الشخصية الضيقة. فرجل الاعمال الثري الذي يتبرع لسياسي معين قد يستفيد لاحقاً من قرارات يتخذها ذلك السياسي، اذا نجح الأخير ووصل الى منصب صاحب قرار. وقد تكون الفائدة عن طريق إعفاءات ضريبية او تفضيل غير قانوني في مناقصات ضخمة وغيرها. ويعتبر المشرع تلك الفوائد المالية بمثابة رشوى وتلاحقها السلطات بما اصبح يشبه لعبة القط والفار ومطاردة ذكية مستمرة.

ان المبادئ التي يعتمد عليها المشرع في تقييداته المذكورة هي العدل ومنع الرشوى وقد استمدتها الشعوب أصلا من الكتاب المقدس. فمثلا جاء في العهد القديم:  "لا تحرف القضاء ولا تنظر الى الوجوه ولا تاخذ رشوة لان الرشوة تعمي اعين الحكماء وتعوج كلام الصديقين" (تثنية 16: 19). انظر ايضاً خروج 23: 8 وايضاً أمثال 29 : 4 وغيرها.

ان هذه المبادئ، وحتى مستوى متشدد منها، يجب ان تسود في عمل الرب في حقله. ان التوازن ما بين استخدام المال لدفع معاشات العاملين وصرفها من جهة وبين العمل الروحي في لب ارسالية الكنيسة والهيئات هو عمل شاق وحساس ولكنه ضروري. ولقد وضعت الدول المختلفة أنظمة صارمة لتراقب التعامل المالي في الجمعيات لذات الأهداف التي يتوجب ان الكنيسة او الهيئة او الفرد العامل يطلبها لكي يكونوا وكلاء صالحين.

ويكثر مؤخراً الدعم المالي الخارجي في اوساطنا الانجيلية للكنائس والهيئات وحتى للافراد العاملين مباشرة. وفي الوقت الذي قد تستخدم الأموال بحكمة وشفافية لامتداد عمل الانجيل ولكن سوء الاستعمال قد يقود للعنة متمثلة بطمع وبطر والتهاء عن الخدمة الحقيقية وغش وبالتالي ضعف عمل الانجيل. نظراً لتنبيهات الرب يسوع ومبادئ كنيسته وشهادتها يتوجب طرح أسئلة صريحة عديدة حول قبول المساعدات الخارجية لخدمة الكنيسة او الهيئات او الافراد (وقد تكون على شكل أموال او هدايا أو رحلات او مؤتمرات في فنادق فخمة او متطوعين أجانب في الكنائس) وغيرها:

1) من هو الطرف الذي يقدم التبرع؟ ما هي مبادئه؟ لماذا يقدم التبرع؟ هل يقدم الشروط لمن يستلم التبرع؟ هل مجرد تقديم التبرع سيقيد حرية مستلم التبرع ان يقول رأيه حتى لو لم يطرح المتبرع شروطاً؟ ما هو طبيعة الولاء الذي سأضطر ان اظهره لمقدم التبرع؟

2) ما هي الأنظمة التي تعتمدها الكنيسة او الهيئة او الفرد العامل نفسه للتأكد من عدم إساءة استخدام التبرعات حتى ولو لم يطلب المتبرع أي أنظمة؟

3) هل تمارس الكنيسة او الهيئة او العامل الفرد في حقل الخدمة شفافية بخصوص التبرعات المالية التي تستلمها؟ هل تتواجد مرجعية حقيقية بخصوص الأموال المستلمة تجاه الأعضاء او مجلس الكنيسة (في حال كونه تبرع استلمته الكنيسة) او تجاة مجلس الإدارة او الأمناء (في حال كونها هيئة) او تجاه دائرة المرجعية الطائفية او الكنسية في حال كون التبرع وجه لشخص عامل في حقل الانجيل؟ 

4) هل يمارس الطرف المستلم للتبرع شفافية ووضوح في توضيح كيفية التصرف بالأموال (مثلا عن طريق وصولات)؟

5) هل هذا التبرع يجعل الطرف المستلم معتمداً على الدعم الخارجي بدل العمل على زيادة التقدمات والعشور المحلية (في حالة كنيسة) او الاشتراكات والدعم المحلي (اذا تحدثنا عن هيئة) او التوظف في سوق العمل في حال تحدثنا عن تبرع لفرد.

 

ليت الرب يمنحنا ان نتصرف باي أموال بحكمة وبلياقة وشفافية بحسب المبادئ التي وضعها الرب يسوع نفسه.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع