• تأملات من العهد القديم: القداسة والسياسة - بقلم القس حنا كتناشو
تأملات من العهد القديم: القداسة والسياسة - بقلم القس حنا كتناشو

 القداسة والسياسة (أشعياء 6)

لقد مات عزّيّا وفقدت المملكةُ ملكَها البشري ولكنّها لم ولن تفقدَ ملكَها السّرمدي. واهتـزّت أساساتُ كرسي الحكم لأن الموتَ مدَّ يدَه وقبض على عنق الملك، ولكنّ كرسي الرَّب عال ومرتفع أعظم من كل قوة أخرى. وبينما كان الشعبُ واضعاً آماله في التغييـر السياسي وفي قدوم نظام سياسي أصلح وأفضل وَجَّهَ اللهُ نظرَ نبيه أشعياء إلى تغييـر أهم. فأخذه إلى مشهد رأى فيه عظمةَ الله وجلالَه الذي يملأ كل الهيكل، بل كل الأرض. كشف الله لنبيه سر التغييـر الاجتماعي والسياسي الأفضل. يبدأ هذا التغييـر بإدراك قداسة الله. وتكشف قداسة الله خطيئتنا كأفراد وكشعوب. هذا الاكتشاف في محضر الله هو محرّك التغييـر الصحيح. فلن يحصل التغييـر الصحيح دون الإيمان الصحيح. والتغييـرُ الديني والأخلاقي بدايةُ التغييـر السياسي الصحيح. فبدون نهضة أخلاقية وروحية لن تحصل نهضة في العدالة والسلام. وبدون ادراك القادة أنهم على قمة هرم الخطاة وأنهم أول الخطاة لن يحصل التغييـر. ويل لنا نحن القادة ونحن الأنبياء ونحن الذين نعلّم كلمة الله لأننا خطاة ومقصّرون ولن ننجو إلا بمعونة ملائكية وكفّارة ربانية.

لقد كشف الله لأشعياء أنه نجس (טמא؛آ 5) )الشفتين فبين له أن عبادته ناقصة وغيـر مقبولة. استخدم الشعب مفهوم النجاسة ليحدد مفهوم الحلال والحرام. وعندما تصبح الشفاهُ نجسةً تنشلُّ خدمة الأنبياء. فكيف تخرج الكلمةُ الإلهية الطاهرة من شفاهٍ نجسة؟ وكشف الله لأشعياء أن النجاسة ترتبط بالإثم والخطية (עון؛  חטא؛ آ 7)، أي بالرذائل والتقصير في عمل الخير. ولكن الله قادر أن يطهّر شفاه نبيه وأن يزيل إثمه ويكفّر عن خطيئته. وهكذا ينطلق النبـي. ولا تبدأ خدمته بالكلام بل بالإصغاء. فقبل أن نتكلم بكلام الله يجب أن نسمع الله يتكلم. ولا أقول يجب أن نسمع كلام الله بل أن نسمع الله يتكلم إذ يجب أن تتشكل رسالتنا بلقاء مع الله المتكلم.

            لقد أرسل الله أشعياء برسالة صعبة. لم تكن رسالته للتعزية بل للدينونة. أكدّ النبي بحق أنه بدون القلب الصحيح تصبح حواسنا مُضلِّلة. فلا نسمع بالرغم من أن الله يتكلم والنبـي يتحدث. ولا نرى بالرغم من أن الأحداث تشهد عن عمل الله. ولا نفهم لأننا اخترنا طريق الضلالة وبررنا أنفسنا بدلا من أن نكتشف أننا خطاة. وتبدأ اليقظة الروحية باكتشاف شر قلبنا وقداسة الله. وتثبت يقظتنا بشفاه نقية وعيون ترى الله وآذان تسمع كلمته وقلوب تفهم مشيئته وأرجل تدخل هيكله وتذهب إلى عالم مُدان لتُسمِعَه كلمة الله علّه يسمع ويرى ويفهم أنّ الله قدوس. فعندئذ يبدأ التغيير. وأترككم مع بعض الأسئلة للصلاة والتفكيـر: كيف ستتعامل مع قداسة الله؟ وكيف ستؤثر قداسته على خططنا كقادة؟ وكيف ستشكل قداسته التغييـرات الاجتماعية والسياسية المطلوبة؟

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع