• لا تكن مخاصمة بيني وبينك (تكوين 13: 8) – بقلم القس حنا كتناشو
لا تكن مخاصمة بيني وبينك (تكوين 13: 8) – بقلم القس حنا كتناشو

أبرامُ شخصٌ غيـر كاملٍ ولكنّه مباركٌ. اعتـنى أبرام بابن أخيه لوط. وعندما تنافست عشيرةُ لوط مع عشيرة أبرام بسبب قلة الموارد، واجه أبرامُ مشكلةً جديدةً. كيف يكون بركةً لقريبه لوط؟ كيف يكون بركةً لرعاة لوط الّذين اشتركوا في مخاصمة رعاته؟ كيف يكون بركةً لمن ينافسه على الموارد الـتي يحتاجها لرعاية ما ائتمنه الله عليه؟ ربما حاول أبرامُ أن يجد حلولاً مقبولة للطرفين ولكنّ النتيحةَ الواضحة كانت: "لم تحتملها الأرض أن يسكنا معاً . . . لم يقدرا أن يسكنا معاً". تكاتف المنطقُ والشّعورُ والواقعُ المؤلم ليؤكدّوا لأبرام أنّ استمرار الحال كما كان غير ممكن.

في ضوء هذه المشكلة، لم يخن أبرامُ عهدَ القرابة. لم يسعَ في طريق النّميمة. لم يحاول أن يحقق أكـبر المكاسب. لم يغضب ويُشعل حربا هوجاء. لم يضع اللوم على لوط أو رعاته وتخلّى عن طريق الشكاية. قرر أبرامُ أن يذهب إلى لوط ويقابله وجها لوجه. لم يتحدّث إلى رعاة لوط أو رعاته، بل توجه إلى ابن اخيه هاران، إلى لوط نفسه. لم يبدأ أبرامُ باللوم أو بتقديم الحلول، بل أكدّ التزامَه بمحبة لوط وبالسّعي الجاد إلى تشكيل علاقة صحيحة معه. لا يريد أبرامُ حياةَ المخاصمة. لا يريد أن تعتنق عشيرته طريقَ المخاصمة. من المفضّل أن يتغـيّر رعاتُه ويصيروا مثله، أهل السّلام. إن جعلنا السّلامَ هدفاً واضحاً لعلاقاتنا سنسعى إلى تحاشي الخصومة. وسنسعى إلى مقاومة انتشار الخصومات. القائد أبرام صارَ نموذجاً لرعاته. وقرارُه سيشكّل قراراتهم.

عندما عالج أبرام المشكلة مع لوط أكّدّ أنّه قريبٌ له قائلا: "لا تكن مخاصمة بيني وبينك . . . لأننا أخوان". لقد قتل قايين أخاه هابيل أما أبرامُ ففهم أنّ الأمانة للرب أهم من النّجاح الزَّمـني والوقتي. وأدرك أبرامُ أنّ الأرضَ للرب وهو يعطيها لمن يشاء. ومن هذا المنظور قدّم أبرامُ الحلّ. قدّم الحلّ بعد أن أطّره بعلاقة الإخوة ومبادرة الصّداقة وبلطف التواصل. قال للوط أنّه سيتنازل عن الكـثير من أجل الحفاظ على العلاقة. فهو يمنح لوط حقَّ الاختيار من كل الأرض. ومنحه أيضاً حقَّ الأولوية في الاختيار. وأكّدّ له أنّه سيعمل كلَّ جهده لئلا تتكرر هذه المشاكل. فقال له إن ذهبت إلى أرضٍ سأختار أرضاً أخرى بعيدةً عنك لئلا نزاحم بعضنا بعضاً. وهكذا ارتحل لوطُ واعـتزل الواحد عن الآخر.

               أحياناً، يكون الاعتزالُ والفراقُ هو الحلّ الأفضل. وبسبب أمانة أبرام في عرض المشكلة بدون لوم وأمانته في لطف التواصل وفي تواضع التنازل، باركه الله واعطاه أضعاف مع أعطى. وجعل العطيةَ أبدية تنتقل عـبر الأجيال. وتحولت الخصومةُ إلى فرصة للسّلام ثم فرصة للعبادة. فبنى أبرام مذبحا للرب.

               في نهاية هذا العام، قد نحتاج أن نقول مع أبرام: "لا تكن مخاصمة بينك وبيـني . . . لأننا أخوان". قد نحتاج أن نسعى إلى المصالحة مع اخوتنا وأخواتنا. فنبدأ السّنة الجديدة بعيون المحبة والسّلام ونتحلى بالصبر واللطف والإيمان. فحتى لو اعتزلنا عن الآخرين لتحاشي الخصومات يجب أن نفعل ذلك الأمر كما فعل أبرام.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع