• كيف غيّرت ازمة الكورونا مفهومي للصلاة - بقلم رامي منصور
كيف غيّرت ازمة الكورونا مفهومي للصلاة - بقلم رامي منصور

منذ أن سلمت حياتي للمسيح في سن الثانية عشرة، كنت أعتقد بأن الصلاة هي جزء ضروري من الإيمان المسيحي. ولكن لسبب ما، لم تكن الصلاة ممارسة يومية في حياتي. لقد كنت راضيًا بقراءة الكتاب المقدس بالإضافة الى كتب لاهوتية والاستماع الى الترانيم المسيحية. في التعامل مع ظروفي، كنت دائمًا أعتمد على نصائح الكتاب المقدس ومشورة المؤمنين الأكبر سنًا، ذلك لأنّني لم أتمكن من الصلاة من أجل أمر معيّن، إذ وجدت صعوبة في سماع صوت الله. كانت تزعجني هذه "المحادثة من جانب واحد"، لذا تخلّيت عن فكرة الصلاة كليًّا، وهكذا شعرت بالابتعاد الروحي عن الله. لقد وصلت الى استنتاج أن الطريقة الوحيدة التي يمكنني فيها الحصول على لمحة عن الله هي من خلال قراءة الكتاب المقدس والاستماع إلى ترانيم العبادة.

وسط وباء فيروس الكورونا، حيث يعم العالم بأسره حزن كبير على عدد الضحايا الهائل، يقف الكثيرون عاجزين ويرفعون أعينهم إلى الرب. يلجأون إلى الصلاة ويشجعون الآخرين عليها كذلك. وسط هذا الوباء، أعدت التفكير في مدى أهمية الصلاة في حياتي. لكن هذه المرة قررت أن أدرس الموضوع بشكل أوسع، وآخذ بعض الأسئلة في الاعتبار: إذا كان الله كلي العلم، فلماذا نحتاج إلى الصلاة؟ هل يجب أن أصلي من أجل القضاء على وباء الكورونا؟ هل من الممكن للصلاة أن تغير فكر الله؟ هل ينتظر الله مني أن أطلب منه إنهاء هذا الوباء؟ وأخيرًا، إن كان كثيرون من المؤمنين يصلّون في جميع أنحاء العالم، فهل صلاتي ضرورية؟

في الآونة الأخيرة، قضيت بعض الوقت في القراءة والدراسة للعثور على بعض الإجابات. كان من الواضح بالنسبة لي أن الكتاب المقدس يعلّمنا أهمية الصلاة وكيف يجب أن نصلي (على سبيل المثال، الصلاة الربانية). ولكن الفكرة التي أدهشتني كانت الاكتشاف بأن الصلاة تغيرني أنا!

يقول سي إس لويس: "الصلاة لا تغير الله، إنما الصلاة تغيرني أنا". تُجدّد الصلاة عقولنا وتجعلنا نثق بالله لأنه ثابت ولا يتغيّر. فنحن الذين هم بحاجة لاختبار التغيير الحقيقي والترميم الداخلي. تساعدنا الصلاة على الثقة بأن الرب صالح، ولديه خطة أفضل لنا، فقبل أن يتجه المسيح إلى موته على الصليب، صلّى قائلا: "يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك." (لوقا 22:42).  يسوع – الذي هو الله في الجسد، ومع ذلك كان لا يزال يصلي! ذلك لأنه كان يختبر واقع العذاب والألم البشري، وكانت الصلاة هي الطريقة لإخضاع نفسه بالكامل للآب لمواصلة وتتميم دعوته. هل يريدنا يسوع أن نصلي هذه الصلاة نفسها أثناء هذا الوباء؟ 

يقول تيموثي كيلر في كتابه "الصلاة: اختبار الرهبة والحميميّة مع الله": "إن الصلاة هي المدخل الوحيد إلى معرفة الذات الحقيقية. كما أنها الطريقة الرئيسية التي نشهد بها التغيير العميق، ألا وهو إعادة ترتيب حياتنا. إن الصلاة هي ببساطة مفتاح لكل ما نحتاج إليه وكل ما نحتاج أن نكون في هذه الحياة". إن رسائل الرسول بولس لم تشمل صلوات لتغيير ظروف المؤمنين الصعبة، ولكنه صلّى من أجلهم، صلّى لأجل ما اعتقد أنه أهم شيء يمكن أن يقدمه الله لهم: أن يعرفوا الله بشكل أفضل (أفسس 1: 17) – أي أن "تستنير عيون أذهانهم" (أفسس 1: 18).  يشرح كيلر أن الذهن في لغة الكتاب المقدس، هو مركز التحكم في الذات ويتحكم في مشاعرنا وأفكارنا وسلوكنا. الذهن يمكّننا أن نفهم بشكل إدراكي أن الله محبة أو أن الله قدوس، ولكن عندما تستنير عيون قلوبنا على هذه الحقيقة، يبدأ كياننا يحس بجمال محبة الله وقداسته، لنحيا حياة فيها ابتعاد عن أي سلوك يحزن قلب الله.

إنّ الصلاة تمكّننا من الشعور بوجود الله في حياتنا. بدون هذا "القلب المستنير"، يمكن للظروف الصعبة - مثل وباء الكورونا - أن تؤدي الى القلق واليأس حيث ان محبة الله لنا تكون فكرة مجردة بدلًا من أن تكون حقيقة معزّية في حياتنا. الصلاة تمنحنا هذا السلام الداخلي واليقين أن الله معنا وسط كل الظروف. أليست معرفة الله بطريقة أفضل هي أول ما نحتاجه لمواجهة أي وباء؟

لقد تغير مفهومي عن الصلاة! تعلمت أن أرى الصلاة على أنها لقاء مع الله، وليست مجرد روتين. إن الصلاة تغيّرني بتجديد ذهني وتقوم بإعادة ترتيب أولويات حياتي. في الصلاة، أنمو لأعرف الله بشكل أفضل، وأختبر حضوره في حياتي حتى أثناء الوباء. لقد أدركت أيضًا أن ترانيم العبادة هي صلاة، وقراءة الكتاب المقدس هي صلاة. محبة القريب، واستضافة الغريب، وزيارة المريض ومساعدة الفقير هي أيضاً صلاة.

فهل تكون الأزمات قادرة على تغيير نظرتنا للأمور وفهمنا لها؟ هي لا شكّ كذلك! وأنا اختبرت أنّ أزمة الكورونا وزمنها صقلت مفهومي للصلاة وغيّرته للأفضل.

 

رامي بدر منصور هو طالب الصف الحادي عشر في المدرسة المعمدانية - الناصرة

An English version of this article is availabe here - www.comeandsee.com/view.php?sid=1391

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع