• اختفاء الرّثاء من الحياة المسيحيّة - لمى منصور - مقتطفات من كتاب "نحو ذهن متجدد"
اختفاء الرّثاء من الحياة المسيحيّة - لمى منصور - مقتطفات من كتاب

مقتطفات* من مقال "قِف! اعطِ مكانًا للرّثاء" في كتاب "نحو ذهن متجدد"    بقلم الآنسة لمى منصور وهو تعد رسالة الدكتوراة في موضوع السياسات الاجتماعية في جامعة اكسفورد في انجلترا

للأسف، قد اختفى لاهوت الرّثاء وممارسته من كنائسنا اليوم. غريب هذا الواقع، فالرّثاء منسوج في اعماق طيّات الكتاب المقدّس. تخلو خدماتنا من صلوات الرثاء، فتتمركز ترانيمنا وعِظاتنا حول التفكير الإيجابي والنّصرة بالمسيح، وهذه أمور جيّدة وضروريّة ولكن عليها أن تأتي مع تفاعُل حقيقي مع واقع المُجتمَع المُتألِّم.


لربّما يكون سبب اختفاء الرّثاء من لاهوتِنا المحلّي انتشار إنجيل الازدهار الذي يُعلِّم أنّه على المؤمنين الا يتألّموا بل يكونوا أصحّاء جسديًّا وأثرياء وسعداء،  وهو تعليم خاطئ ويشوّه خلاص الرّب. لربّما يكون بتأثير تشديد مُبالَغ على منطقيّة وعقلانيّة الإيمان، وتاليًّا تهميش المشاعِر الإنسانيّة الطبيعيّة التي وهبنا إيّاها الله. لربّما يكون ذلك بسبب الفصل الذي اختَلَقَهُ الإنسان بين الروحانيّات والدنيويّات والذي يفرض على المؤمنين ألّا يهتمّوا بالأمور المجتمعيّة الفعليّة الحاليّة، بل أن يركزوا جلّ طاقتهم على السماء المُستقبليّة. أو قد يكون ذلك بتأثير حضارتنا العربيّة التي تُهمِّش وتستذنِب المشاعِر، وتفضِّل كتمها وكبتها، فليس من المقبول التعبير عن الحزن والإحباط إلّا في أُطُر مُعيّنة وبطُرُق مُحدّدة.

قد تتعدّد الأسباب ولكنّ النتيجة واحدة. يُقصي تلاشي ممارسة الرّثاء من منابِرنا وكنائِسنا المُتألِّم ويزيد شعوره بالوحدة.  يؤدّي تقزيم الألم أو تعييره إلى شعور المؤمن أنّه ليس بإمكانِه جلب المواضيع الصّعبة لله أو للكنيسة، أو أنّ بعض الأسئلة غير شرعيّة لِعرش الرّب.  تجاهُل الصعوبات أو الاستخفاف بِالألم الفرديّ لا يدُلّ على إيمان صحيح وقويّ، بل يدلّ على إيمان مُنسَلِخ، خياليّ ولا يمتّ بِصلة للواقِع. ببساطة، يعني انعدام الرّثاء أنّنا نرتدي قناع الإيجابيّة أمام عرش الآب السماويّ.

إنّ اختفاء الرّثاء المُجتمعي له نتائج مُشابِهة: فبالتغاضي عن الإساءة والقمع المُحيط بِنا، تعزل الكنيسة نفسها عن المُجتَمع، وتخسَر صوتها النبويّ. فالإعلان أنّ الوضع القائم خاطِئ هو إعلان ثوريّ، بِهِ نتحدّى أنظمة الظُّلم مُطالِبين بالتغيير. من خلال إقصاء الرّثاء المُجتمعي كممارسة أساسيّة في حياة الكنيسة، نفترض أنّ الله غير مُهتمّ بالعدالة، لا مُبالٍ بالإساءات المُمنهجة، وأنّ قوّته لا تمتدّ لِشفاء مجتمعاتنا من الطغيان والعنف بأشكاله المُتعدّدة. 

كَتَب القس مارتن لوثر كينج: "أيّ ديانة تقر بأنّها تهتمّ لأرواح البشر ولكنّها لا تهتمّ للأحياء الفقيرة التي تُعذّبهم، والظروف الاقتصاديّة التي تخنقهم، والظروف الاجتماعية التي تسحقهُم، هي ديانة تحتضر روحيًّا، تنتظر دفنها". 

 

* قدم موقع "تعال وانظر" رعاية مشتركة مع كلية بيت لحم للكتاب المقدس وكلية الناصرة الانجيلية لكتاب جديد مميز  يحمل الاسم "نحو  ذهن متجدد" – مساهمات فكرية انجيلية في السياق الفلسطيني. يقع الكتاب في 420 صفحة وسنقوم تباعًا بنشر مقتطفات وأجزاء من المقالات التي فيه في الموقع هنا. طبعًا نشجع القراء الرجوع للكتاب وقراءة المقالات بأكملها بتمعن وليس الاعتماد على المقتطفات التي ننشرها هنا التي تعطي صورة جزئية للغاية.


يمكن الحصول على الكتاب من احدى الجهات الراعية.
 

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع