• لا خوف في المحبة - بقلم : عصام نسيب عودة 
لا خوف في المحبة - بقلم : عصام نسيب عودة  

نحن نعيش في أيام صعبة، حيث الخطية محيطة بنا بسهولة سهلة جدا ...

لقد سبق وأخبرنا السيد المسيح بهذه الأيام الصعبة، وفعلا نحن نعيش في ضيق باعتقادي لم يشهده العالم من قبل.

بالإضافة لضيقات الحروب والزلازل والمجاعات التي شهدها عالمنا في الآونة الأخيرة، بالذات الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث حصدت ملايين القتلى ودمرت الكثير من المدن والدول، بالذات القارة الأوروبية، يشهد عالمنا الآن حربا عالمية ثالثة من نوع آخر – جائحة الكورونا والوبأ الذي اكتسح العالم بأسره، وليس فقط أوروبا.

 

بالتالي، يعاني العالم اليوم من وبأ مزمن يُدعى "الخوف"، كما أشار إليه الرب يسوع عندما تنبأ قائلا:

 

"تكون علامات في الشمس والقمر والنجوم وعلى الارض كرب امم بحيرة. البحر والامواج تضج 26  والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة" (إنجيل لوقا 21: 25-26).

 

إن عالمنا اليوم يعيش في "جائحة" الخوف أكثر من أي وقت مضى، وبشتى أنواع الخوف، وذلك إبان الأوضاع الصحية الآخذة في التعقيد بسبب الجائحة، الأوضاع السياسية المتأزمة، الاقتصاد الآخذ في الانهيار، الأزمات الاجتماعية وتشتت العائلات بسبب المشاكل الأسرية والخيانات الزوجية، الخطية والنجاسة والفحشاء المتفاقمة والمتفشية في كل مكان، تجارة المخدرات واستعمالها، كذا الأسلحة النارية بين أيدي الناس والدول واللاتي أضحت كالغذاء المتواجد في عروق البشر، الجريمة التي نراها تقريبا في مطلع كل يوم مترأسة عناوين الأخبار بوسائل التواصل على أنواعها، ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن الشذوذ والعنف والإلحاد والكفر والكراهية والعنصرية والتدين والتعصب الطائفي والمجتمعي.

 

باختصار، يوجد وابل من الأسباب التي تبعث المخاوف في قلوب البشر، والآخذة بالتصاعد المتسارع من سنة إلى أخرى.

 

أنواع المخاوف:

 

مخاوف من المستقبل: أنواع المخاوف كثيرة ومتعددة، منها وربما معظمها الخوف من المستقبل أو المجهول، الأمراض المزمنة والقاتلة، تقدم السن، الشيخوخة، الموت، المشاكل المادية والنقص في الموارد لسد حاجات الحياة، إن كانت الشخصية أو العائلية، البطالة وغيرها.

 

مخاوف مربوطة بالماضي: وهناك مخاوف قد لا نعرف سببها أو مصدرها، وهي على الأغلب مرتبطة في الماضي وناجمة من مشاكل في الطفولة التي تعود للتربية السيئة كتمييز الأهل بين أولادهم أو القسوة كالصياح والغضب والضرب المستمر، عنف كلامي وجسدي، الترك، الإهمال، التهميش، التفكك الأسري وانعدام المحبة والحنان والعناية الذي يؤدي إلى صغر النفس والشعور بالذنب، أو هناك الأهل الذين يخافون كثيرا على أولادهم من "كل شيء تقريبا"، وبالتالي ينتقل الخوف إلى الأولاد ويصبح قيدا لاصقا فيهم في كل مراحل حياتهم.

 

هناك مخاوف من نوع آخر كالخوف من الظلمة أو الارتفاعات أو حتى من الناس نفسهم ومن ظلم الانسان لأخيه الإنسان، واللائحة طويلة تكاد لا تنتهي.

   

طبعا نحن نتحدث عن مخاوف مزمنة التي تصبح قيدا ومرضا الذي يتفشى في الجسم، وإذا استمر في التفشي قد يسبب أيضا أمراضا جسدية وقد تودي بحياة الانسان.

 

من هنا نلاحظ أن أغلبية المخاوف تكون نتيجة الماضي الأليم الذي عشناه أو مربوطة في المستقبل، ماذا سيحدث على الصعيد الشخصي، الأسرة، المجتمع، الدولة، العالم، كيف سنتدبر الأمور وغير ذلك، وبالتالي فإن أغلبية المخاوف هي وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، ومصدرها الفكر، فنقضي أيامنا في الماضي الأليم ونقلق لمستقبل حياتنا، فتصبح حياتنا عذابا في عذاب متأرجحة بين الماضي والمستقبل، فتكون النتيجة هي أننا لا نتمتع بيومنا.  

 

مخلفات الخوف:

 

الخوف له "أولاد"/مخلفات/تبعيات، مثل: الحزن، الاكتئاب، اليأس، الفشل، الإحباط، الغضب المزمن، العنف، اللامبالاة، الكره، الحسد، أمراض نفسية، أمراض جسدية، وقد يؤدي إلى الانتحار.

 

في الآونة الأخيرة هناك ازدياد كبير لحالات الخوف، بالذات إبان جائحة الكورونا وتبعياتها، والتي ولّدت جائحة أصعب، هي جائحة الخوف كما ذكرنا في مطلع الكلام، إن كان من الإصابة بالفيروس أو من التطعيم نفسه، ومخاوف عديدة التي تبعت الإغلاق وتحديد التجمهرات، مما ضرب الكثير الكثير من المصالح والتجارة والسياحة والحياة الاجتماعية والمادية على الصعيد العالمي.  

 

هناك ازدياد كبير ومتفاقم بعدد الحالات النفسية في العالم، وعجز الانسان عن إيجاد حلول لأغلبيتها، فنرى الأطباء النفسيين "ينعمون" بالكثير من "الزبائن"، ولكن نسبة نجاح العلاجات ضئيلة للغاية.

 

يتحدث الكتاب عن واحدة من مخلفات الخوف، وبرأيي الأصعب و"الأشرس"، إذا صح التعبير، من المخلفات الأخرى، فيخبرنا الرسول يوحنا أن "الخوف له عذاب" (1 يوحنا 4: 18)، فالإنسان الذي يعيش حالة خوف مزمن يعيش في عذاب دائم، وكما ذكرنا فهو منشغل في الماضي الأليم وقلق للمستقبل الآتي، فيفقد كل متعة في حياته اليومية الواقعية ويعيش مسلوب الإرادة ومشلول الفكر.

 

لقد خلقنا الله على صورته وشبهه، وأتى المسيح كي يعطينا حياة ولكي يكون لنا أفضل، فلماذا نحيا معذّبين في بوطقة الخوف وفي قيود الماضي واضطراب المستقبل؟!؟!

 

هل من حلول؟

 

كما ذكرنا، لقد عجز الطب النفسي الأرضي عن إيجاد حلول جذرية للمشاكل النفسية الناتجة عن المخاوف، على شتى أنواعها، التي ترزح البشرية تحت وطأتها، فنسبة النجاح ضئيلة جدا، وحتى الحلول نفسها هي سطحية تتمركز في بعض الأدوية التي "تخدّر" المعالَج لبعض الوقت، ثم تعود دورة العذاب لتأخذ مجراها من جديد.

 

1. المحبة الكاملة: إن الكتاب المقدس يعرض لنا حلا بسيطا، ولكنه في غاية من العمق والأهمية، ألا وهو علاج "المحبة"، إذ يقول: "لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف الى خارج، لان الخوف له عذاب. واما من خاف فلم يتكمل في المحبة." (1 يوحنا 4: 18). كنا قد ذكرنا عذاب الخوف، وها هو مذكور في نفس الآية التي تعرض الحل والعلاج لوحش الخوف المفترس: المحبة، وليس مجرد المحبة، بل المحبة الكاملة التي لا تترك مكانا للخوف في قلوبنا وحياتنا.

 

للتوضيح، المحبة الكاملة هي السعي وراء المحبة الكاملة، وهي محبة الله من كل القلب والنفس والفكر والقدرة، وإن كان الرب يسوع قد أوصانا أن نحبه بهذا المقدار، لا بل وأول الوصايا، فهو الكفيل أن يستجيب صلاتنا كي نحبه بهذا المقدار، لذلك فهذه المحبة ننالها فقط من خلال معبر الخلاص والإيمان بالمسيح، فلا يمكن أن تجتمع المحبة والخوف في آن واحد وفي مكان واحد.

 

2. فكر المسيح: بخصوص المخاوف من الماضي - يقول الكتاب على فم بولس الرسول: "انا لست احسب نفسي اني قد ادركت. ولكني افعل شيئا واحدا: اذ انا أنسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام" (فيلبي 3: 13)، أما بالنسبة للمستقبل فيقول: "فلا تهتموا بالغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (متى 6: 34). ففي كلا الآيتين نلاحظ وجود عنصر مشترك، ألا وهو "الفكر": "أنسى ما هو وراء"، والنسيان هو أمر متعلق بالفكر، وكذلك: "فلا تهتموا بالغد"، فعنصر الاهتمام يبدأ بالفكر: كيف سنتدبر أمور الغد، ماذا سيحدث في المستقبل وما إلى ذلك.

 

من الجدير بالذكر أن الفكر هو "أحد ساحات الحرب الأساسية" لعدو الخير إبليس، فإذا أصبحت هذه الساحة ملعبا للشيطان قُضي علينا لا محالة. من هنا يحثنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي أن يكون لنا فكر المسيح (فيلبي 2: 5)، وهذا الفكر يضمن أن يكون لنا فكر المحبة والتواضع والبذل والعطاء وكل "مخلفات المحبة الكاملة"، ويضمن العلاج لنعيش بسلام دون مخاوف المستقبل على أنواعها.

 

آية أخرى لا تقل أهمية، تلك المذكورة في 2 كورنثوس 10: 4-5:  

 

"4 إذ اسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون.5  هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر الى طاعة المسيح". 

 

هذه الآية تعالج كل أنواع المخاوف، بالأخص تلك التي تسببت من ماضينا الأليم، والتي بنت حصونا شاهقة في فكرنا، فما علينا إلا أن نهدمها ونستأسر كل فكر إلى طاعة سيدنا المسيح.

 

من هنا، فالخطوة الأولى هي قبول المسيح ربا وسيدا على حياتنا، وبالتالي سوف يسكن فينا بروحه القدوس ويملأنا بمحبته يوما فيوما، والتالية تسليم كل مفاتيح حياتنا له، بما في ذلك الفكر، وفي السبيل إلى ذلك نحتاج أن نهدم كل ظنون الماضي التي تشرشت في فكرنا جراء حصون المخاوف العديدة والمتراكمة من سنة لأخرى، وعندنا الثقة والإيمان أنه "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا".  

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع