• عيد أو مذابح الفوريم؟! – بقلم القس حنا كتناشو
عيد أو مذابح الفوريم؟! – بقلم القس حنا كتناشو

يحتفل اليهود بعيد الفوريم بعدة طرق. يأكلون الحلويات التي تُدعى آذان هامان ويشربون النبيذ ويلبسون الثياب المزخرفة. ويقرأون سفر أستير. وفي عشرات المرات التي يُذكر فيها اسم هامان في السفر يُصدرون أصواتَ الاعتـراض. ولقد ارتبط هامان عبر التاريخ بأعداء اليهود سواء أكان بعماليق أم بهتلر أم بالفلسطينيين أم بالأرمن أم بالمسيحيين. ويشرح كتاب (Elliot Horowitz) هذا الارتباط ويعطي الكثير من الأمثلة التي تثبت رأيه. ولقد ساد في القرن التاسع عشر ربط الأرمن بعماليق وهامان. ونجد القول: نحتاج إلى أربعة أتراك لينتصروا على أحد الفرنجة ونحتاج إثنين من الفرنجة لينتصروا على أحد اليونانيين ونحتاج إلى إثنين من اليونانيين لينتصروا على يهودي واحد لكننا نحتاج إلى ستة من اليهود لينتصروا على أرمني واحد (Horowitz 124). في ضوء ما سبق، نسأل ما هي قصة الفوريم؟ وهل يقبل المسيحي الفلسطيني هذا الاحتفال؟

            ترتبط قصة الفوريم مع سفر أستير. يُحدثنا هذا السفر عن الملك الفارسي أحشويروش والملكة وشتي. أراد الملك أن يُري ضيوفه جمال زوجته لكنها رفضت أن تأتي حسب أمر الملك. فتطورت الأحداث إلى تمادي الظلم الجندري إذ جعل الرجالُ المرأة موضوع مُتعة البصر الرجولي والشهوة الجامحة. وطلب الملك امرأةً أخرى بدلا من الملكة وشتي فصارت العذارى تدخلن إلى غرفة نومه واحدةً تلو الأخرى ليقضين الليلَ معه حتى الصباح (أستير 2: 14)!

            ونجد في السفر أن قصة الملكة الأولى تمهيدٌ لقصة الملكة الثانية، أي قصة أستير اليهودية. فبالإضافة إلى الظلم الجندري واجهت أستير الظلم الإثني وخطر الإبادة. أراد أعظم قادة الملك ويُدعى هامان أن يذل مُردخاي اليهودي، فقرر أن يبيد كلَّ اليهود من المملكة. ولهذا استغلت أستير مكانتها عند الملك وسعت إلى إزالة الظلم الإثني المدعوم من القانون. ورغم المخاطرة نجحت في تحقيق أهدافها وفي التخلص من هامان. وتحوّل قرار إعدام يهود الإمبراطورية الفارسية إلى قرار حرب ضد أعداء اليهود وضد نسل هامان. وأباد اليهود نحو 75 ألف شخص (أستير 9: 16) وقتلوا عائلة هامان وصلبوا أولاده العشرة (أستير 9: 13). وأبادوا أعداء اليهود حتى الأطفال والنساء (أستير 8: 11). فتحوّل الظلم السياسي إلى عنف وسفك دماء. ولم يتبنى شعبُ مردخاي أخلاقيات أسمى وأفضل من هامان وجماعته فنشروا العنف والقتل باسم القانون واسم الدفاع عن النفس.

            في ضوء ما سبق، كيف نقيّم هذا السفر من منظور مسيحي؟ أنتجاهله كما فعل اللاهوتي كالفن فلم يكتب عنه أم نتحداه كما فعل لوثر؟! هل نعتبـره كتابَ اليهود الذي يخلو من المحبة المسيحية فنتجاهل ما يقول؟ هل الرسالة الأخلاقية لهذا الكتاب لا تتوافق مع هوية الله وباقي الكتاب المقدس؟ هل نحتفل كمسيحيين بعيد الفوريم أو عيد القرعة؟ فهذا معنى كلمة "فور" وجمعها فوريم. ثمة بعض الملاحظات المتعلقة بالسفر التي أود أن أشاركها معكم:

  1. يُظهر السفر مجموعة من الرجال يتصرفون بشهوانية وبوضع خطط عنيفة وظالمة. فنجد الملك يسكر ويمرح لأشهر طويلة دون مساءلة أو نصيحة جيدة من رجال البلاط الملكي. وعندما ينصحونه فهم يشجعونه على الطلاق وعلى إذلال النساء وعلى شهوانية حيوانية تطلب عذراء مختلفة في كل ليلة. لا يُقدم السفر دعما لهذا التوجه ورغم عدم الإدانة البارزة إلا أننا نستطيع أن نجادل أن قرّاء السفر وكاتبه يفترضون إن هذا التصرف هو شر يُغضب الله. فتصميم الله هو إكرام المرأة التي خُلقت على صورته وإكرام التصميم الإلهي للزواج الذي لا يُؤسس على الشهوة بل على المحبة العهدية.  
  2.  في ذات الوقت يُظهر السفر النساء المظلومات واللواتي يقفن وقفة حق أمام الظلم الجندري والقانوني والإثني والسياسي. ونجد شجاعة النساء اللواتي رفضن كل الظلم وخاطرن بأنفسهن في سبيل نشر العدل والكرامة للمرأة وللشعوب. وهكذا يضيف السفر السيدات وشتي وأستير إلى لائحة بطلات الكتاب المقدس.
  3. يُظهر السفر عنف المجتمعات وكراهية الغريب. فلقد حاول هامان قتل اليهود. وقَتَلَ اليهودُ في زمنه نحو 75 ألف إنسان باسم الدفاع عن النفس أو باسم العدالة القانونية في الإمبراطورية الفارسية. ولقد تهوّد عدد كبير من الناس بسبب الخوف (أستير 8: 17). إن كراهية الغريب متبادلة في السفر وسياسة الكراهية تنتهي بخطط القتل سواء أكان اليهودُ قاتلين أم مقتولين.
  4. ترتبط قصة سفر أستير بصراع ديني سياسي. فكيف نتعامل مع الدين في إمبراطورية متعددة الأديان؟ وما هو الموقف السياسي من الأقليات الدينية؟ ونجد قصة أستير في القسم الثاني من التاريخ المقدس. لقد جُمع التاريخ المقدس الأول في الكتاب المقدس التُساعي (تكوين – ملوك الثاني/ راجع مقال كتناشو على الرابط http://www.comeandsee.com/ar/post/2936710) وظهر في هذا التأريخ فشل شعب الإيمان وشعب العهد. وكُتب التاريخُ مرة أخرى من منظور الرجاء (أخبار الأيام – ملاخي). وفي كل مرة يُكتب التاريخ نعود إلى البداية إلى آدم. بإيجاز، نجد قصة أستير كجزء من أسفار التأريخ الذي ينشر الرجاء. فالسفر يلتصق بعزرا-نحميا ويقيّم التعامل مع الغريب. لقد رفض عزرا-نحميا غير اليهود لكن سفر أستير يذكر تهوّد الشعوب مبـرزا اندحار سيادة التعريف العرقي واستبداله بالتعريف العهدوي. ولهذا من الضروري قراءة السفر في حوار مع عزرا-نحميا لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع الغريب. يصف سفر عزرا-نحميا التعامل مع الغريب في الأرض المقدسة بينما يصف سفر أستير التعامل مع الغريب من منظور الشتات.
  5. ما هو الرجاء الذي يقدمه سفر أستير؟ كما رأينا في القسم السابق الذي يتحدث عن الكتاب المقدس التُساعي، نجد إن اكتشاف مدلول سفر استير لا ينحصر بدراسة السفر فقط بل يتطلب أيضا دراسة السفر بصورته النهائية كسفر من مجموعة أسفار أخرى ضمن القانون المقدس الذي يحوي كل أسفار الكتاب المقدس لا سيما التاريخ الثاني الذي ينشر الرجاء. ومن المنظور القانوي (قراءة السفر ما باقي الأسفار المقدسة)، يدعونا السفر إلى مقاومة الظلم الجندري والإثني والسياسي. فمقاومة الشر ستثمر نجاحا وستخلق مجتمعا جديدا لا يرفض شعب العهد بل ينضم إليه. لقد تحوّل النزاع العرقي، وهو نزاع ضد اليهود، إلى إعادة تعريف اليهودية لتشمل شعوب الأرض (أستير 8: 17). وهذه اليهودية الشمولية، ليست الإقصائية، كانت مثل البذور التي نمت وظهرت في المسيحية. وعندما نقرأ السفر من منظور عقلية التقوقع العرقي سنجده مُنفرا ودموياً. وإن قرأنا السفر تاريخيا سنجده يفتقر إلى لاهوت مكتمل أما إن قرأناه قانويا (مع باقي الأسفار القانونية) ومن منظور الانفتاح على إعادة تعريف اليهودية سنجده بابا لانضمام الشعوب إلى جماعة الإيمان وبابا للرجاء الذي ينمو ويجد تحقيقه في المسيح. والرجاء الموجود في طيّات السفر هو عمل الله الخفي أو خلف الستار. فلقد أعان الله مردخاي أن يكتشف خطط متمردين ضد الملك. وفقد الملك نومه في آخر ليلة قبل تطبيق إعدام مردخاي وفي الصباح أراد الملك إكرام مردخاي في نفس اليوم الذي كان من المفروض أن يُصلب فيه. ووصلت أستير إلى قصر الملك وامتلأت بالشجاعة لتطلب من الملك المساعدة. ونجحت في مساعيها بسبب صوم وصلاة شعب العهد والإيمان. وهكذا لا نستطيع أن نحتفل بعيد الفوريم كعيد عرقي يحتفل بالعنف وينشر إبادة الشعوب الأخرى، بل نقرأ سفر أستير وعيد الفوريم ضمن الأسفار القانونية لنكتشف عمل الله الخفي وسيادته التي تسعى إلى ضم الأمم إلى جماعة العهد ولكن ليس عن طريق التخويف والقتل بل عن طريق الشمولية التي ظهرت في سفر أستير لكنها تجسدت بأفضل شكل في المسيح يسوع.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع