• نتائج وتوصيات ورشة عمل في موضوع الإرشاد (mentoring) - د. رلى خوري منصور
نتائج وتوصيات ورشة عمل في موضوع الإرشاد (mentoring) - د. رلى خوري منصور

كلمة مينتور (mentor) مستوحاة من شخصية أسطورية في ملحمة الأوديسة اليونانية التي كتبها الشاعر هوميروس في فترة ما بين القرنين الثاني عشر والثامن قبل الميلاد. تقول الأسطورة ان الملك أوديسيوس، بطل الملحمة، طلب من صديقه "مينتور" أن يرعى ابنه أثناء غيابه وانشغاله بحرب طروادة.[1] وتم استخدام كلمة "مينتور" (مرشد) لوصف شخص متمرس ينقل معرفته وحكمته إلى شخص أقل خبرة. اليوم، غالبًا ما يشار إلى أهمية الإرشاد في التنمية الشخصية والمهنية. وبينما بإمكان المرشد أن يقدم دعمًا وتوجيهًا بمواضيع عديدة إلا أنه ليس مستشارًا أو معالجًا نفسيًا [2] أو مدرّبًا.[3] يتم اختيار المرشد تقديراً واحتراماً لشخصيته وخبراته وحياته وتأثيره.

رغم أن كلمة "مينتور" لم تُستخدم في الكتاب المقدس إلا أن الإرشاد هو فكرة كتابية.[4] كمسيحيين، نحصل على الإرشاد في حياتنا من خلال الروح القدس والصلاة وقراءة كلمة الله، وأيضا من خلال العلاقات التي هي إحدى الوسائل الأساسية للتلمذة والإرشاد. يوفر لنا الكتاب المقدس أمثلة عديدة لعلاقات إرشاد وتلمذة تميّزت بتزويد النصح والتوجيه والتعليم والتصحيح والدعم والتعزية والتشجيع والتحفيز. فأرشد يثرون موسى الذي بدوره أرشد يشوع. وأرشد عالي الكاهن النبي صموئيل، وهو بدوره أرشد شاول وداود. وهناك المزيد من علاقات الإرشاد مثل: إيليا وإليشع، مردخاي وإستير، دبورة وباراق، أليصابات ومريم. وعلاقة الإرشاد ممكن أن تكون فردية أو في إطار مجموعة صغيرة. فأرشد السيد المسيح اثنا عشر تلميذًا، وأحيانًا ثلاثة تلاميذ. كما قام الرسل في إرشاد العديد من القادة الآخرين بمن فيهم بولس الذي بدوره أرشد تيطس وتيموثاوس وأبفراس والعديد من الآخرين الذين كانوا مسترشدين ومرشدين في ذات الوقت، مما أدى في نهاية المطاف إلى تأسيس عشرات الكنائس الجديدة في آسيا.

في الشهر الماضي استضاف مركز الناصرة لدراسات السلام [5] مجموعة من النساء القياديات والمتميزات في مجالات متنوعة لبحث أهمية وضرورة موضوع الإرشاد بين النساء من خلال ورشة عمل دامت 4 ساعات. شملت تلك المجموعة نساء محليات إضافة لمجموعة نساء من مختلف أنحاء العالم (آسيا، أفريقيا، أمريكا اللاتينية وأمريكا)، وهن أعضاء في منتدى "نساء قياديات في التعليم اللاهوتي"، ولي الامتياز أن أكون إحدى أفرادها.

بدأت الورشة بفترة تسبيح ومشاركة عن موضوع الإرشاد من منظور مسيحي. ومن خلال مجموعات نقاش - طُرحت فيها أفكار شرقية، أفريقية، آسيوية، وأمريكية لاتينية - قُمنا بالإجابة على أسئلة تتعلق بالتحديات التي ترافق الإرشاد والفرص التي يتيحها الإرشاد، المواضيع التي يتم تداولها في الإرشاد، صفات المرشد ونوعية العلاقة بين المرشد والمسترشد.

فيما يلي أود أن أشارككم النتائج والاستنتاجات والتوصيات التي تم استخلاصها من الورشة.

نتائج الورشة

التحديات التي تكرر ذكرها خلال الورشة: الإرشاد غير مألوف في كنائسنا ومجتمعنا بالرغم من أهميته. كما أنه هنالك تحدٍ في إيجاد مرشد ناضج روحيًا ويمكن الوثوق به والشعور بالأمان بمشاركته. كما ويظهر، في الحالات التي يتجلى فيها فارق عمري بارز بين المرشد والمسترشد، تحدٍ لفهم الأول لعالم الآخر والتعاطف معه. أما من جهة المسترشد، يكمن تحدّيه في طلب الإرشاد والمشاركة بخصوصياته وضعفاته خاصةً أننا ننتمي لمجتمع صغير ومتداخل مما يعزز الحاجة عندنا في المحافظة على الخصوصية. تحديات إضافية تتعلق بالتفرغ وايجاد الوقت لممارسة الارشاد؛ توقعات خيالية من المرشد أن يقدم إرشاد كامل خالٍ من النواقص والأخطاء؛ وتوقعات من المسترشد أن يطيع المرشد.

الفرص التي يجلبها الإرشاد: فرص للاستنارة والتغيير والنمو في معرفة الله وأنفسنا. يوفر الإرشاد فرصًا رائعة للانفتاح والقبول والمشاركة، مما يعطي للمسترشد فرصة للنضوج والتطور والتعلم من خبرة وتجربة المرشد. كما أنها فرصة للمرشد للمشاركة والنمو وخدمة الآخرين.

مواضيع الإرشاد متنوعة: في مجال العمل، التعليم، الخدمة، العائلة (التربية)، العلاقات في كل أشكالها، تحديات حياتية (الفقدان، إدارة الوقت، الماديات..)، الحياة الروحية (الخطية، تحديات جنسية، الإدمان، معضلات أخلاقية) ومواضيع أخرى.

صفات المرشد: حكيم، صاحب خبرة ومعرفة، ناضج روحيًا، مصغٍ جيد، متواضع، متعاطف، مشجع، مصلٍ، حافظ السر، موثوق به، متاح، موضوعي، ومشهود له.

العلاقة بين المرشد والمسترشد: هي علاقة ثقة وشفافية تخلو من السيطرة أو الإدانة، تتميز بالاحترام والقبول والاحتواء. من المهم الحفاظ على علاقة صحيّة بين المرشد والمسترشد ووضع حدود وتوقعات واضحة للطرفين. يوفر المرشد بيئة آمنة للمشاركة بصراحة وحرّيّة، هذا إضافة لمساهمته في تقديم الارشاد، النابع من رغبة ذاتية في ذلك، وبشكل غير رسمي بهدف تشجيع المسترشد للتطور والنمو وإدراك قدراته الذاتية لاستخدامها بالشكل الصحيح. يعطي المُرشِد النصائح بناءً على تجاربه وخبراته الشّخصيّة فيدعم ويشجع ويصلي، لكنه غير مسؤول عن تزويد الحلول أو عن قرارات الشخص الذي يرشده. غالبًا ما يكون عمر المرشد أكبر من المسترشد، ومن المفضل أن يكونا من ذات الجنس.

الاستنتاج

لربما تتعلق التحديات المذكورة بثقافتنا الشرقية، فمثلاً: نجد صعوبة في مشاركة ضعفاتنا وصراعاتنا أمام الآخرين إذ نشعر أن ذلك يقلّل من قيمتنا. كما أنه غالبًا ما يكون تركيز المرشد، الأكبر جيلاً، متمحورًا حول إعطاء تعليمات ووعظ وتصحيح أكثر من إبداء الاهتمام في استيعاب عالم المسترشد، الأصغر جيلاً، ومحاولة فهم وتقبل الاختلاف والتعامل معه بحساسية وتعاطف دون إدانة وفرض للرأي. أما من جهة أخرى هنالك فرص توفرها ثقافتنا، مثل الاحترام لمن هو أكبر سنًّا وأكثر خبرةً وبالتالي تقدير المشورة والإرشاد اللذان يقدمان. كما أنه كوننا مجتمعٌ علاقاتيٌ متداخل ومترابط غالبًا ما يلتقي حول المائدة، مما يشكل فرصًا جيدة للانفتاح والمشاركة والإرشاد.

إن فهمَنا للتحديات والفرص الموجودة في ثقافتنا تساعدنا في تخطي التحديات والاستفادة من الفرص. لكي نستطيع فعل ذلك علينا أولاً أن نفهم معنى الإرشاد المسيحي.

 الإرشاد المسيحي هو التزام عميق لمرافقة شخص والسير معه ومشاركته الخبرات الحياتية، بهدف دعم نموه الشخصي من خلال تعزيز إدراكه لقدراته واستخدامها على أفضل وجه. إن حياة كل شخص هي أرض مقدسة، والسماح للمرشد بأن يتكلم لحياه المسترشد لهو امتياز مقدس. لذلك يتطلب الإرشاد السلوك في تواضع وإصغاء فعّال وتعاطف خالٍ من أي افتراضات مسبقة وصلاة بلجاجة من أجل إرشاد الروح القدس. المرشد المسيحي يعتمد على الروح القدس في مرافقته للمسترشد فيطلب توجيه الله ليكون قناة لحكمة الله وإرشاده. فيحتفل عند نجاح المسترشد ونموه حتى لو تطور ذاك وحقق نجاح أكبر منه. المرشد المسيحي يجب أن يكون مستعدًا وقابلًا للتعليم خاصةّ خلال فترة مرافقته للمسترشد، حيث أنّ إمكانية التعلم والتحول من خلال هذه العلاقة الثنائية هو أمر واردٌ لكلا الطرفين.

التوصيات

لا شك أننا بحاجة لتبني وتطوير موضوع الإرشاد في كنائسنا ومجتمعنا، فهو وسيلة هامة في تنشئة تلاميذ ناضجين. كمرشدين علينا أن نهتم في حياتنا الروحية والنفسية لكي نكون مؤهلين لإرشاد الآخرين. كما يتوجب علينا أن نتطور وننمو في كيفية بناء علاقات صحيّة نشارك بها الخبرات والحياة والتحديات، كما وعلينا التمتع بالجرأة لمشاركة الأمور الحساسة في حياتنا، وأن نكون صادقين بشأن محدوديتنا. كذلك الالتزام بالصلاة وتطوير مهاراتنا في التّواصل السليم والكلام الحكيم الخالي من الإدانة والمؤسس على غايات النصح والتشجيع والتعزيز.

أخيرًا، هنالك حاجة ماسة لخلق إطار لتداول موضوع الإرشاد وتطويره، والحصول على تعليم وتدريب في مفهوم ومهارات الإرشاد، وزيادة التوعية لأهميته داخل كنائسنا ومجتمعنا.

 

[1] لمعرفة المزيد عن قصة "مينتور" في الأوديسة اليونانية أنظر www.maicar.com/GML/Mentor4.html

[4] انظر تثنية 6: 4-9 وايضاً 2تيموثاوس 2: 2.

[5] مركز الناصرة لدراسات السلام هو مركز يهدف الى نشر ثقافة السلام المسيحية من خلال التعليم والتدريب والأبحاث. مؤسسة المركز ومديرته هي د. رلى خوري منصور.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع