• ظاهرة التنمر في مجتمعنا - بقلم : عصام نسيب عودة 
ظاهرة التنمر في مجتمعنا - بقلم : عصام نسيب عودة  

قلبي يعتصر ألما بينما اخط هذه الكلمات عند الحديث عن هذا الموضوع...

"التنمر" هو مصطلح جديد نسبيا، لم يتداوله مجتمعنا الا في الآونة الأخيرة، والسبب بكل بساطة أن هذا المصطلح "تطور" مع "تطورات" العصر.

التنمر مصدره من كلمة "نمر"، الحيوان الذي يستضعف فريسته ويلتهمها بلا رحمة. والمميز في هذا الحيوان انه قد يهاجم الفريسة ويقتلها حتى لو لم يكن جائعا، بخلاف الأسد مثلا.

تعريف التنمر:

التنمّر هو ظاهرة عدوانيّة في غاية من السلبية، تنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، وتنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ أكبر بين طلّاب المدارس، وبتقييم وضع هذه الظاهرة يتبيّن أن سلوكيّاتها تتّصف بالتّكرار، بمعنى أنها قد تحدث أكثر من مرة، كما أنها تعبّر عن افتراض وجود اختلال في ميزان القوى والسّلطة بين الأشخاص، حيث إن الأفراد الذين يمارسون التنمّر يلجؤون إلى استخدام القوّة البدنيّة أو تفعيل ضغط نفسي على المتنمَّر عليه بحكم كونهم في موضع سلطوي، أو تهميشه وتجاهله وعدم الالتفات إليه بأي صورة للوصول إلى مبتغاهم من الأفراد الآخرين ولتحطيم شخصياتهم بإظهار عيوبهم والاستهزاء فيها مقابل قوة وسلطة وسيطرة المتنمِّر، وفي كلتا الحالتين، سواءً أكان الفرد من المتنمرين أو يتعرّض للتنمّر، فإنه معرّض لمشاكل نفسيّة.

اذن، فالتنمر هو تمرد بدرجة عالية، ويحتوي بطياته على الكبرياء وتحقير الآخرين والتقليل من قيمتهم وأن يكون مستعدا الدوس على الآخرين كي ينال مبتغاه، وهو أيضا انعدام للقيم الاخلاقية والسلوكية، وكذلك يتميز بغياب الغطاء وعدم احترام القيادات والسلطة وحتى القوانين، إن كانت قوانين الدولة أو الكتاب المقدس أو أي سلطة وأنظمة أخرى، وقد تتفاوت درجات التنمر، ولكن إذا لم يرتدع المتنمِّر عنها فسوف تتفاقم هذه الصفة لتصل به إلى درجات تنمر في غاية من الخطورة، مثل "جنون العظمة"، وفي النهاية تقتل صاحبها.

قد يتّصف التنمر أيضا ب"السكوت القاتل"، بالذات عند أصحاب السلطة في أي دائرة كانت، سواء في الدولة أو السلطة المحلية أو العائلة أو الكنيسة، بحيث يسكت صاحب السلطة على الظلم ويغض النظر عنه، أو حتى قد يغذّيه بهدف الحفاظ على سلطته وسيطرته.

لا يوجد في الكتاب المقدس كلمة "تنمر"، ولكن توجد كلمات التي تشبه هذا المستوى من الكبرياء والتمرد والتعظم، كلمات مثل: "تصلّف"، أي كبرياء وتمرد، كلمة أيضا مثل "استباحة"، بمعنى أن كل شيء مباح، أي مسموح، حتى الأمور التي نهاها الكتاب المقدس أو القانون.

يقول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس 1: 9-10:

"9 عالما هذا: ان الناموس لم يوضع للبار، بل للاثمة والمتمردين، للفجار والخطاة، للدنسين والمستبيحين، لقاتلي الاباء وقاتلي الامهات، لقاتلي الناس،10  للزناة، لمضاجعي الذكور، لسارقي الناس، للكذابين، للحانثين، وان كان شيء اخر يقاوم التعليم الصحيح".

وفي رسالته الثانية إلى تيموثاوس 3: 1-5 يقول:

"1 ولكن اعلم هذا انه في الايام الاخيرة ستاتي ازمنة صعبة،2  لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين،3  بلا حنو، بلا رضى، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبين للصلاح،4  خائنين، مقتحمين، متصلفين، محبين للذات دون محبة لله،5  لهم صورة التقوى، ولكنهم منكرون قوتها. فاعرض عن هؤلاء.".

ما يخيف في هذه الآيات هو قول بولس: "لهم صورة التقوى، ولكنهم منكرون قوتها"، فهو يتحدث عن أناس يدعون أنهم يعرفون الله ومؤمنون به، ولكن حياتهم هي بعكس ما يدعون تماما. هذا الوضع: "إنكار صورة التقوى" قد يمتزج مع بقية الصفات المذكورة، أو قسم منها، التي تواكب آخر الأيام والأزمنة الصعبة التي نعيشها الآن، مثل محبة الذات والأنانية والتكبر والتجديف والعصيان وعدم الشكر والشراسة وعدم النزاهة وعدم الأمانة والخيانة والتصلف ومحبة العالم وشهوات العالم. هل يمكن أن تجتمع هذه الصفات بمن "لهم صورة التقوى"؟؟؟!!! الإجابة بحسب ما هو مكتوب، للأسف، هي نعم.

وها نحن في الأيام الأخيرة التي سبق بولس، والرب طبعا، وأنبأوا بها، بحيث تشهد أيامنا أزمنة صعبة، ولا حاجة أن نُسهب بخصوص شدة ارتفاع مستوى الخطية المحيطة بنا بسهولة سهلة للغاية، أضعاف أضعاف ما كانت عليه أيام الرسل.

السؤال هو: كيف نتعامل مع هذه الآفة في حياتنا الشخصية، في عائلاتنا، في مجتمعنا وحتى في كنائسنا؟ فتأثير المجتمع ابتدأ يتسرب عائلاتنا وأولادنا وكنائسنا، وهذه ظاهرة في غاية من الخطورة إذا لم يتم علاجها، ذات تبعيات وعواقب وخيمة، بالذات في الأجيال اليافعة، والتي هي من المفروض أن تحمل مشعل الإنجيل والمأمورية مستقبلا.

هناك مسؤولية كبيرة على كنيسة الرب كي تكون جاهزة لملاقاة "عريسها"، لتكون عذراء عفيفة لا عيب فيها أو غضن، وعملية "التجهيز" تتم أولا بالتنقية داخل أسوار الكنيسة، وبالمقابل الإرسالية خارج الكنيسة كونها سفيرة المسيح على الأرض، ونحن سفراء المسيح. لقد سلّمنا الرب هذه المسؤولية وهذه المأمورية، فهل نحن أمناء عليها؟

ليت الرب يختبرنا ويعرف قلوبنا، ليته يمتحنا ويعرف أفكارنا، وليته ينظر إن كان فينا طريق باطل، وليته يهدينا طريقا أبديا، كي نسير في طرق الرب ورضاه ونكون أناسا بحسب قلبه.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع