• الكرم المسيحي وخطيئة البخل - القس حنا كتناشو
الكرم المسيحي وخطيئة البخل - القس حنا كتناشو

تحدثت في المقال السابق عن معاش بولس المسلوب. فشرحت أعراض مشكلة الخادم المنهوب كما يراها بولس ولكنني لم أتحدث عن أسباب الداء ولم أقدم الدواء. يحدثنا الرسول بولس عن هذا الأمر في رسالة كورنثوس الثانية 8 – 9. فكيف عالج الرسول داء بخل الكنيسة؟ والبخل خطيئة يجب أن نتوب عنها. فماذا يعلمنا الرسول بولس؟

            أولا، شرح لنا معنى الكرم المسيحي فتحدث عن كنائس مكدونية قائلا: "فمع أنهم كانوا في تجربة ضيقة شديدة . . . فإني أشهد أنهم تبرعوا . . . فوق طاقتهم" (ترجمة الحياة، 2 كور 8: 3).  وتوسلوا بإلحاح أن نقبل التبرع ونقبل مساهمتهم في خدمة المحتاجين (2 كور 8: 4). عادة يتوسل الطالب من المعطي (donor) ولكن بولس يتحدث لنا عن توسل المعطي وإلحاحه على الخادم أن يأخذ! لقد كانوا على معرفة بحاجات الآخرين بالرغم من ضيقهم. وأعطوا بدلا من أن يأخذوا. ويضيف الرسول أنهم تجاوزوا التوقعات بسخائهم (2 كور 8: 5). متى كانت آخر مرة تجاوزت الكنائس المحلية التوقعات في العطاء لخدمة الإنجيل؟ ومتى كانت آخر مرة تجاوزت أنت وأنا فيها التوقعات في العطاء لخدمة ولخدام الإنجيل؟

            ثانيا، بعد شرح معنى الكرم المسيحي يوجه الرسول دعوة مباشرة لأعضاء الكنيسة أن يطلبوا من الله نعمة العطاء ويجتهدوا في تحصيل التقدمات لأجل امتداد الإنجيل (2 كور 8: 6 – 7). يا له من اجتماع صلاة مميز تضرع فيه المصلون إلى الله سائلين المولى أن يمنحهم نعمة الكرم المسيحي وينجيهم من خطيئة البخل! فالكرم يرى المحتاج بينما البخل أعمى والكرم يسمع صرخة المظلوم بينما البخل أطرش والكرم يشعر ببرد اللاجئ بينما البخل عديم الأحساس. الكرم نشيط ومجتهد بينما البخل كسول وخامل. فالكنيسة الكريمة كنيسة خادمة ينير فيها نور المسيح بينما الكنيسة البخيلة وضعت نورها تحت المكيال.

            ثالثا، يؤكد الرسول أن الكرم المسيحي يبني المؤمن والكنيسة. فيقول: "لأن هذا ينفعكم" (2 كور 9: 10). ويشجع الرسول الكنيسة أن تضع خطة للعطاء. وبعد وضع الخطة أن تُشعل رغبة العطاء ثم أن تفعّل آليات العطاء. وتبين هذه الخطط النمو في المسئولية. فأعضاء الكنيسة مسؤولون عن خدمة وخدام الإنجيل. وهذا هو ترتيب الله لنا. ويجب أن نتحمل المسئولية ونكتشف فشلنا لاسيما إذ انتشر داء البخل بيننا، وإذا افتقرنا لموهبة الكرم المسيحي. ويؤكد لنا الرسول بولس أن العطاء هو موهبة ربانية فيقول: "لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا: أنبوة فبالنسبة إلى الإيمان، أم خدمة ففي الخدمة، أم المعلم ففي التعليم، أم الواعظ ففي الوعظ، المعطي فبسخاء، المدبر فباجتهاد، الراحم فبسرور" (رومية 12: 6 – 8). فبدلا من أن تصلي: يا رب اعطني المزيد من المال والرخاء، قل امنحني المزيد من موهبة العطاء.

            رابعا، إن الكرم المسيحي يتجاوز بناء الكنيسة المحلية إلى التفكير بالكنائس الأخرى والمؤسسات المسيحية أيضا. فتحدي بولس لكنيسة كورنثوس أن تدعم كنائس اليهودية المحتاجة. وربما آن الآوان أن تتبنى كنائسنا الكبيرة الكنائس الأصغر حجما وتعينها ماليا وروحيا في سبيل امتداد الإنجيل ودعم خدامه. وليست الكنائس الأكبر هي بالضرورة الأكبر حجما بل الأكبر قلبا. فكنائس مكدونية كانت فقيرة ولكنها أعطت فوق الطاقة. فإن كان الفقير يعطي هكذا فكيف يجب أن يعطي الغني؟ وإن أعطى الصغير هكذا فكيف يجب أن يعطي الكبير؟  

 

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع