• لـماذا أقرأُ العهدَ القديمَ؟ حوارٌ مع القس نعيم عتيق - القس د. حنا كتناشو
لـماذا أقرأُ العهدَ القديمَ؟  حوارٌ مع القس نعيم عتيق - القس د. حنا كتناشو


مقتطفات* من مقال القس الدكتور حنا كتناشو، العميد الأكاديمي لكلية الناصرة الانجيلية وخادم في الكنيسة المعمدانية المحلية في الناصرة في كتاب "نحو ذهن متجدد" بعنوان لـماذا أقرأُ العهدَ القديمَ؟ 
حوارٌ مع القس نعيم عتيق

كيف نقرأ العهد القديم؟

لا شكَّ أنَّ الباحثَ المتنور سوف يضحك من عنوان هذا الجزء من مقالتي. فقد سُطرت مئات الآلاف من الصَّفحات في الإجابة عن هذا السُّؤال. وتنوعت الإجابات. ويحتاج الجوابُ إلى عدة مجلدات. فمن الطَّبيعي أن أختزل الحديثَ في هذه المقالة القصيرة، عن زاوية واحدة من قراءة العهد القديم، وهي: هل يستطيع الإنسان المسيحي أن يختلف مع العهد القديم، دون أن يرفض شرعية نصوصه؟ هل اختلف السَّيدُ المسيح مع العهد القديم؟ واعتقد أنَّ هذا السؤال هو في جوهر النقاش مع القس عتيق، لا سيَّما أنَّ القسَ عتيق يجادل بأن المسيح هو مفتاح تفسير العهد القديم. سأتحدَّث في هذا الجزء عن ستة أمثلة من حياة السَّيد المسيح، لم يقبل فيها تأوين حرفية العهد القديم، أي أن السَّيد المسيح لم يقبل أن النَّص القديم يسري عليه الآن حرفيًا. وسأستنبط من هذه الأمثلة، بعض المبادئ الَّتي قد تُعيننا في قراءة العهد القديم اليوم. أفترضُ أنَّ موقفَ المسيح من نصوص العهد القديم، مرشدٌ لنا في تحديد مواقفنا من نفس النُّصوص، ومن نصوص أخرى. ويمكن تلخيص المبادئ السِّتة بالعبارات الآتية: (1) مكتوب أيضًا، (2) أما أنا فأقول لكم، (3) السَّبت جُعل لأجل الإنسان، (4) سمح الله ... لقساوة قلوبكم، (5) ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، و(6) الله روح. 

أولًا، المبدأُ الأوَّلُ هو "مكتوب أيضًا". يُظهر القديس متى أنَّ العهد القديم قد يكون أداةً في يد الشِّيطان.  ففي الفصل الرابع من بشارة القديس متَّى، يقتبسُ الشَّيطان المزمور 91 ليُجرّب السَّيد المسيح. فيقول له: "مكتوب: أنَّه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك" (مت 4: 6). ويفسر الشَّيطان العهدَ القديم مناقضًا المقاصد الإلهية. وعندما ردَّ السَّيد المسيح على إبليس، بيّنَ أنَّنا يجب أنْ نقرأ نصوصَ العهد القديم معًا. إذ قال له: "مكتوب أيضًا" (مت 4: 7). فجمع المسيحُ أكثر من نصٍ معًا، ليُقدمَ فهمًا أفضل يعكس نوايا الله. وهكذا أظهر أنَّ العهدَ القديم يحتاجُ إلى التَّفسير. بكلمات أخرى، يجب تفسير النُّصوص في حوار مع نصوصٍ أخرى داخل الكتاب المقدس. فقد يقود عزلها عن باقي النُّصوص إلى سوءِ التَّفسير. لمْ يرفض المسيحُ النَّص الَّذي استخدمه الشَّيطان، بل أعاد تفسيره عندما وضعه في إطار نصوصٍ أُخرى. وهكذا تطور التَّفسير القانوني الذي يستلزم حوارًا بين نصوص كلِّ الكتاب المقدس، بهدف تفسير آية واحدة بصورة أشمل وأدق. لا شكَّ أنَّ العهدَ الجديد لم يكن مكتوبًا عندما جرَّب الشَّيطانُ السَّيدَ المسيح، ولهذا نحصر المعنى التَّاريخي "المكتوب أيضًا" في العهد القديم، إلا أنَّ مبدأ "مكتوب أيضا"، يشمل كلمة الله في العهد الجديد. ونرى مئات بل آلاف الاقتباسات والإشارات المأخوذة من العهد القديم، في حوار مع كتابات العهد الجديد. وهي ضمن مبدأ "مكتوب أيضا". 

ثانيا، المبدأ الثَّاني هو "سمعتم أنه قيل . . . أما أنا فأقول". مفتاحُ التَّفسير الأعمق والأوضح هو قول السَّيد المسيح وموقفه. فحسب عقيدة تطور الإعلان، إعلانات العهد القديم ناقصة ولا تكتمل إلا بالمسيح. وبدون المسيح قد نضل في فهمنا للعهد القديم. قال السَّيد المسيح للصدوقيين: "أليس لهذا تضلون، إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؟" (مر 12: 24). وقدَّم القديسُ متى في الموعظة على الجبل ستة أمثلةٍ يربطها عددٌ من المفسرين مع العهد القديم. ومن خلال هذه الأمثلة، الَّتي نجد فيها مقارنةً بين موقفين، نكتشف سلطة المسيح في تكوين وتعميق فهمنا لإرادة الله وإعلانه، إذ يقول النَّص: "سمعتم أنه قيل . . . أما أنا فأقول". ويكشف لنا السَّيد المسيح من خلال هذا المبدأ، أنَّ الوصية مرتبطة بالقلب وليس بالسُّلوك فحسب. فيجب أن يكون القلبُ ممتلئًا بالولاء والحب لله، وهذا ما يؤكده ربنا يسوع المسيح. وهكذا تصبح مشكلة القتل، والزنى، والانتقام، أو أي مشكلة أخرى، مشكلة تتعلق بالقلب والولاء الكامل لله بحسب إعلانه. بكلمات أخرى، يجب قبل أن نطيع وصايا العهد القديم، أن نكتشف موقف المسيح منها، وعلاقتها مع مواقفنا القلبية، فولاؤنا لله مرتبط بالولاء للمسيح. فإذا قرأنا آية في العهد القديم، يجب أن نتساءل ما موقف المسيح منها. ولهذا يُعدُّ اللاهوت عنصرًا مهمًا في تفسير العهد القديم. مرة أخرى، لم يرفض المسيح نص العهد القديم، بل وسَّعه ووضَّحه وربطه بشخصه وبالقلب الصَّحيح.


* قدم موقع "تعال وانظر" رعاية مشتركة مع كلية بيت لحم للكتاب المقدس وكلية الناصرة الانجيلية لكتاب جديد مميز  يحمل الاسم "نحو  ذهن متجدد" – مساهمات فكرية انجيلية في السياق الفلسطيني. يقع الكتاب في 420 صفحة وسنقوم تباعًا بنشر مقتطفات وأجزاء من المقالات التي فيه في الموقع هنا. طبعًا نشجع القراء الرجوع للكتاب وقراءة المقالات بأكملها بتمعن وليس الاعتماد على المقتطفات التي ننشرها هنا التي تعطي صورة جزئية للغاية.

يمكن الحصول على الكتاب من احدى الجهات الراعية.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع