• بين اربعاء الرماد وعيد العشاق (الفالنتاين) بقلم: بطرس منصور
بين اربعاء الرماد وعيد العشاق (الفالنتاين) بقلم: بطرس منصور

تزامن أمس موعد بدء الصوم الكبير، فيما يسمى "اربعاء الرماد"، مع عيد القديس فالنتاين والمعروف بعيد الحب او عيد العشّاق.

لعله من المفارقة تلاقي الموعدين في يوم واحد هذا العام. ففي الأول توضَع علامة صليب من رماد على جباه المؤمنين، بينما يتبادل العشّاق في الثانية الدبب الحمراء إشارة لحبهما لبعضهما البعض.

على ما يبدو ان معاني ورموز كل من الحدثين فيهما من التناقض. الأول موعد للتقشف وتحضير الذات قبيل عيد الفصح في اربعين يومًا ووقت لتقديم التعهدات عمّا سيصوم المرء عنه خلال فترة الصوم إضافة لما سيمتنع عنه من مأكولات بحسب التقليد الكنسي الخاص بكل كنيسة وأخرى. بينما الثاني يكرّس ويحتفل في الحب بين الرجل والمرأة. أساس هذا العيد هو ما قام به شخص اسمه فالنتاين في القرن الثالث إذ قام في إجراء مراسيم عقد القران لأزواجٍ منعهم القيصر من الارتباط في بعضهما البعض، واستشهد لاحقا في الرابع عشر من شباط، ومن هنا موعد عيد الفالنتاين.
 

وبينما تحتفل بعض الكنائس في بدء الصوم الكبير بروح تقشف مرددين، لربما اكثر الآيات واقعية في الكتاب المقدس، وهي: "لانك تراب، والى تراب تعود" (تك 3: 19 ب). انها العبارة الأخيرة من كلام الله مع آدم وحواء بعد سقوطهما. انها تذكّر بني وبنات آدم من اين أتوا والى اين يمضون. بينما يعيش البشر في حياة من الكبرياء والعنجهية، تعيدهم هذه الحقيقة لواقع نهاية البشر الحتمية- كتراب او رماد. هذه الحقيقة ضرورية لمن يبغي المواظبة في مسيرة الصوم والتحضير للفصح. الوقوف امام صليب العار الذي عُلّق عليه رب المجد يتطلب استعدادًا يبدأ في "اربعاء الرماد" وينبع من حقيقة اننا تراب والى التراب نعود، وليس لنا رجاء دون الخلاص الذي اعدّه الرب في صليبه.

من الجهة الأخرى، وبعيدًا عن جذور يوم القديس فالنتاين السامية، يأتينا اليوم عيدًا ظريفًا يكرّس الحب، فيه يقدّم الرجال والنساء الهدايا لبعضهما البعض وأحيانا يحتفلون في محبتهم لبعض. كما يأخذ هذا العيد منحى تجاريًا واحيانًا مبتذلًا بعيدًا عن المحبة الحقيقية. ويستغله مراهقون او المعجبون في الجنس الآخر للقيام في خطوات للتقارب وغيرها.
قد يعتقد البعض ان هوّة سحيقة تفصل بين تقشف العابدين في "اربعاء الرماد" وبين المحتفلين في عيد الفالنتاين لكن الحقيقة مختلفة.
ان "اربعاء الرماد" هو بدء الانطلاق في مسيرة نحو فهم وتقدير وعبادة الإله الذي مات على الصليب بسبب محبته التي لا يُعبَّر عنها لبني البشر. ان ثمن هذه المحبة باهظ للغاية- دم يسوع الذي سفكه لكي يفدينا.
منبع عيد الفالنتاين هو المحبة، وبغض النظر عن المظاهر المبتذلة حوله لكنه احتفال في محبة الأزواج لبعضهم البعض. ان محبة الله هي مصدر لمحبة البشر. فهو المثال ونموذج لأسمى محبة- حتى لو انحرف البشر كثيرًا عنها.
ان المحبة المبنية على أساس محبة الله توّلد محبة عميقة غنيّة ومضحيّة بين المُحبين. وتأخذ محبة الفالنتاين معنى حقيقي واصيل إذا ارتبطت في الاله الذي نبدأ مسيرة الصوم قبيل موته في اربعاء الرماد.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع