• إعلان مراكش عن حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي - القس الدكتور حنا كتناشو
إعلان مراكش عن حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي - القس الدكتور حنا كتناشو

تحت رعاية ملك المغرب محمد السادس اختتم مؤتمر "الأقليات الدينية في الديار الإسلامية" في مراكش في 27 / 1 / 2016. وأصدر أكثر من 300 قائد مسلم من بلاد مختلفة بيانا يُلّخص مواقفهم الدينية من الأقليات في الديار الإسلامية. وتشرح العديد من مواقع الانترنت أنه اجتمع مئات من علماء المسلمين ومفتيهم من أكثر من 120 بلدا واصدروا بيانا يُدعى اعلان مراكش. وهو اعلان يستند على فهم المؤتمرين لوثيقة صدرت قبل 1400 عام تُدعى صحيفة المدينة والتي تبرز العلاقة العادلة مع اليهود. وكمسيحي أثمّن المواقف الإسلامية التي تتحدى التطرف وتساهم في بناء مجتمع أفضل وتؤكد على قيم إنسانية مشتركة.

أريد ان أبرز بعض القضايا المهمة من وجهة نظري في اعلان مراكش.

أولا، يتوافق الاعلان مع الإيمان المسيحي أن الإنسان مخلوق على صورة الله وبالتالي يجب تكريم الإنسان وكل إنسان إذ أن كلَّ البشر إخوةٌ وأخوات في الخلق. فيجب أن يكون العدل والمودة معيار التعامل في العائلة البشرية.

ثانيا، يؤكد البيان على أهمية نشر الرحمة والمحبة بدلا من العنف والكراهية. ويؤكد على نشر العدل والبر دون تفريق بين "الموافق والمخالف في المعتقد".

ثالثا، يرفض الإعلان التوجه للعنف والسلاح لحل الخلافات وفرض الآراء ويؤكد أن هذا التوجه غير متوافق مع الإسلام. ويشدد على أهمية نشر السلام بين البشر والحفاظ على العقود والعهود والمواثيق التي تضمن السلم والتعايش بل العيش المشترك بين البشر.

رابعا، يؤكد البيان أن التفسير الصحيح للنصوص الدينية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي لأسباب النزول ويجب أن يربط النصوص بعضها ببعض ليصل إلى الأحكام الشرعية في ضوء كل النصوص وليس عن طريق النصوص الجزئية والدراسات غير المكتملة. ثم يجب تكييف الأحكام بطريقة تضمن السلم والسلام وتنشر العدل لكل بني البشر.

خامسا، لفت نظري أن البيان لا يتحدث عن التسامح فحسب بل يشدد أيضا على أهمية التعاون مع الأديان الأخرى والإلتزام معا بالقانون الذي يضمن الحريات للجميع.

سادسا، أعجبني تشديد البيان على تغير الوضع القائم ومحاربة الكرة والتعصب والعنف بالمواطنة المشتركة وبدعم مبادرات التفاهم والتعايش وبدعوة المفكرين إلى نشر الوعي وتهييئ التربة "الفكرية والثقافية والتربوية والإعلامية" التي تحفز نمو هذا التوجه.

سابعا، ذكر البيان أهمية معالجة صدمات "الذاكرة الناشئة من التركيز على وقائع انتقائية متبادلة، ونسيان قرون من العيش المشترك على أرض واحدة". لا شك أن النمطية والتعميم سيضران بنا في الشرق الأوسط ويجب أن نقيم الأمور بطريقة تنشر الحق والبركة لجميع سكان المنطقة.

 

إن هذا البيان مهم لي كمسيحي. فنحن نحتاج أن نسمع الصوت المسلم الذي يؤكد على نبذ العنف وإدانة الإرهاب والقتل باسم الدين. ولا شك أن وصف الحركات الإسلامية التي تشدد على التطرف الطائفي وتنشر الفوضى باسم الله بأنها "مجموعات إجرامية" هو وصف مقبول. بالرغم من هذه الصورة الحسنة للبيان وكلمته الجريئة إلا أنني كمسيحي مازلت احب أن اسمع إدانة "داعش" بدون مواربة وذكر اسمها بشكل واضح. كما أنني أحب أن تُذكر الأقليات الدينية التي يتحدث عنها المقال باسمها وأن يُذكر المسيحيون بصورة واضحة بالرغم من التحديات السياسية التي قد تنجم من تحديد هذه الأقليات الدينية. علاوة على ذلك، إن بعض الأسئلة التي تخطر بذهني كمسيحي هي: هل سيسمح للمسلم أن يختار دينه في "البلاد الإسلامية"؟ هل يستطيع المسلم أن يتحول إلى اليهودية أو المسيحية إن أراد أو أرادت ذلك؟ هل ستناشد المؤسسات الإسلامية دولها أن تنشئ برامج ثقافية وتربوية لنشر الفكر المسيحي والمحافظة على المسيحيين في الشرق الأوسط؟ رجائي أن يكون إعلان مراكش خطوة تحول كبيرة في إحياء فكر وثقافة السلام بين العرب. ولا يسعني في نهاية هذا المقال القصير إلا أن أشكر الله على التوجه الإيجابي في إعلان مراكش وأن أشكر كل المؤتمرين على البيان الحسن آملا أن يساهم هذا البيان في تغيير بلاد ملأها العنف وفي خلق مستقبل أفضل نعيش فيه معا بسلام ومحبة.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع