• اللاهوت البديلي أم المتحقق - بقلم: شكري حبيبي
اللاهوت البديلي أم المتحقق - بقلم: شكري حبيبي

 أثناء حوار لي مع أحدهم، وجّه كلامه لي قائلاً: إذن أنت تؤمن باللاهوت البديلي (Replacements Theology)، فقلت له: لكنه هو أيضاً اللاهوت الاتمامي أو المتحقق (Fulfilment Theology). إن اللاهوت البديلي يعني أن المسيحية قد حلّت مكان اليهودية، أما اللاهوت المتحقق فهو يعني أن المسيحية لم تحل فقط مكان اليهودية، لكنها أتت لتتمم كل ما وعد به الله الشعب في القديم، ولتحقق كل ما تنبأ به أنبياء العهد القديم، بالنسبة لمجيء المسيح، وبدئه لملكوت الله.

لكن ماذا قال الرب يسوع المسيح نفسه في هذا المجال؟ لقد تحدّث الرب يسوع المسيح إلى رؤساء اليهود بمثل الكرم والكرّامين(1). يصوّر هذا المثل العلاقة ما بين الله وشعب إسرائيل. وكان النبي إشعياء قد وصف شعب إسرائيل في القديم بالكرم (2). وفي هذا المثل يتحدّث الرب يسوع كيف أرسل الله العديد من الأنبياء إلى كرمه ليأخذ أثماره، فرُفضوا واضُطهدوا من قِبل رؤساء الشعب، لا بل أن بعضهم قُتل. وأخيراً قرر الله إرسال ابنه لعلّهم يهابونه. لكن النتيجة كانت أن تآمروا على ابنه أيضاً قائلين: هلمّوا نقتله ونأخذ ميراثه، فكان أنهم قتلوه، بأن أسلموه ليُصلب. وهنا سأل المسيح سامعيه من اليهود: «فمتى جاء صاحب الكرم، ماذا يفعل بأولئك الكرّامين؟ أجابوه: «أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً رديّاً، ويسلّم الكرم إلى كرّامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها»(3). فقال لهم الرب يسوع: «لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمة تعمل أثماره»(4).  

واضح من هذا المثل أن الله بمجيء المسيح قد أنهى علاقته مع شعب إسرائيل بسبب رفضهم له، وسلّم ملكوت الله إلى أمة أخرى. إذا عدنا إلى سفر الخروج لوجدنا الصفات والمسؤوليات التي ألقاها الله على شعب إسرائيل في القديم، من خلال النبي موسى على الجبل بعدما خرجوا من مصر: «فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض. وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة»(5). لقد كانت العلاقة ما بين الله وشعب إسرائيل في القديم علاقة شرطية، فإن سمعوا لصوته وحفظوا عهده يكونون له شعباً خاصا، ومملكة كهنة، وأمة مقدّسة، تنفرد بانعزالها عن الشر والفساد وفي فعل الصلاح والخير، وبعلاقتها الخاصة مع الله. والهدف لكي يكونوا وسيلة لإعلان خلاص الله إلى جميع الشعوب. لكن بدا واضحاً أن شعب إسرائيل لم يستطع أن ينفّذ هذا الشرط الهام، لا بل اضطهد الأنبياء الذين أرسلهم الله له، وأخيراً رفض الرب يسوع المسيح الذي أتى من أجله، وقام بصلبه. فكانت النتيجة أن أنهى الله علاقته الخاصة به كأمة وكشعب، وأحلّ مكانه أمة أخرى.

لعلّ السؤال الآن من هي هذه الأمة الأخرى التي أوكل إليها الله ملكوته؟ لقد أجابنا الرسول بطرس عن هذا السؤال الهام عندما كتب إلى المؤمنين بالمسيح في الشتات وبالأخص من اليهود وأيضاً من الأمم، قائلا لهم: «وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تُخبروا بفضائل الذي دعاكم  من  الظلمة إلى نوره العجيب. الذين قبلاً لم تكونوا شعباً، وأما الآن فأنتم شعب الله..»(6). نلاحظ هنا أن الرسول بطرس قد أعاد بالروح القدس ما كان الله قد خصّ به شعب إسرائيل وأوكله له في القديم. وأكّد أن شعب الله بعد مجيء المسيح قد أصبح هو الكنيسة الحقيقية. أليس أمراً عجيباً أن يعيدنا الرسول بطرس إلى بداية العلاقة ما بين الله وشعب إسرائيل؟ وأن يُسبغ نفس الصفات على شعب الله الجديد الذي هو الكنيسة الحقيقية؟ وليس هذا فقط بل نراه يوجّه كلامه إلى المؤمنين بالمسيح من يهود وأمم قائلاً لهم: «الذين قبلاً لم تكونوا شعباً، وأما الآن فأنتم شعب الله». ألا يعني هذا بكل وضوح أن الكنيسة المسيحية الحقيقة هي الأمة الجديدة التي قد حلّت مكان شعب إسرائيل؟ وأنها بالتالي هي المسؤولة اليوم عن ملكوت الله؟

أما الرسول بولس فقد ذكّر المؤمنين من الأمم، أنهم كانوا سابقاً: بدون مسيح، أجنبيين عن رعوية إسرائيل، وغرباء عن عهود الموعد.. أما الآن صاروا قريبين بدم المسيح. وليس هذا فحسب بل صاروا واحداً مع المؤمنين بالمسيح من اليهود. وختم قائلاً: «فلستم إذا بعد غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله... الذي فيه  كل البناء مركباً معاً، ينمو هيكلاً مقدّساً في الرب. الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً، مسكناً لله في الروح»(7). لنلاحظ تعبير: هيكلاً مقدساً في الرب، وتعبير مسكناً لله في الروح. ثم نرى الرسول بولس يذهب إلى أبعد من ذلك، عندما كشف لنا عن سر المسيح الذي أُعلن له من قبل الله. وهو «أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل»(8). وفي رسالته إلى الكنيسة في رومية، أخبرنا الرسول بولس أن المؤمنين من الأمم لم يطعّموا فقط في الزيتونة التي تشير إلى شعب الله، بل صاروا شركاء في أصل الزيتونة ودسمها. وأن هناك بالتالي زيتونة واحدة فقط(9).

وأكّد الرسول بولس لنا في رسالته إلى غلاطية أن المؤمنين بالمسيح من أي شعب أو جنس كانوا هم نسل إبراهيم الحقيقي. «فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذا نسل إبراهيم، وحسب الموعد ورثة»(10). وهذه حقيقة هامة تؤكد أن نسل إبراهيم لم يعد النسل الجسدي، بل هو النسل الروحي من خلال الإيمان بالمسيح. وأن هذا النسل هو الوارث الحقيقي لمواعيد الله. أجل، هذا هو شعب الله الواحد الجديد المؤلف من اليهود والأمم، والذي حلّ مكان شعب الله في القديم، وأخذ كل امتيازاته. لقد أتمّ الله كل وعوده لشعبه القديم عندما أرسل المسيح، الذي بدأ ملكوت الله بموته الكفاري على الصليب، وقيامته الظافرة من بين الأموات.

ولعلّ أبلغ صورة نجدها في ختام سفر الرؤيا، عندما شاهد الرائي مدينة أورشليم السماوية، والتي هي ترمز إلى الكنيسة. إذ نجد أنها تشمل مؤمني العهدين القديم والجديد. فسور المدينة قائم على اثني عشر أساساً عليها أسماء رسل المسيح الاثني عشر، وفيه اثنا عشر باباً عليها أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر(11).  

 

هذا هو ما قصدته في بداية مقالتي باللاهوت البديلي لا بل الإتمامي أو المتحقق، الذي تحقق من خلال الرب يسوع المسيح وشعب الله الجديد. فلا يوجد في العهد الجديد أية إشارة أو حتى تلميح يتحدث لنا أن زمن الكنيسة هو فترة معترضة في التاريخ البشري، أو عصر مؤقت، يعود بعدها الله لكي يتعامل مع شعب إسرائيل بشكل خاص، وبطريقة مختلفة. أو أن وعود الله إلى شعب إسرائيل قد تأجلت إلى زمن آخر. 

  1.  مثل الكرم والكرّامين، بشارة متّى33:21-44.
  2.  إشعياء1:5-7. «إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل، وغرس لذّته رجال يهوذا. فانتظر حقاً فإذا سفك دم، وعدلاً فإذا صُراخٌ»(عدد7).
  3.  بشارة متّى40:21-41.
  4.  بشارة متّى43:21.
  5.  سفر الخروج5:19-6.
  6.  1بطرس9:2-10.
  7.  الرسالة إلى أفسس11:2-22. «لأنه هو سلامُنا، الذي جعل الاثنين (اليهود والأمم) واحداً، ونقض حائط السّياج المتوسط، أي العداوة... لكي يَخلُق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً، صانعاً سلاماً، ويُصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب، قاتلاً العداوة به. فجاء وبشّركم بسلام، أنتم البعيدين والقريبين(أعداد14-17).
  8.  الرسالة إلى أفسس3:3-6.
  9.  الرسالة إلى رومية17:11. «فإن كان قد قُطع بعض الأغصان، وأنت زيتونة بريّة طُعّمت فيها، فصرت شريكاً في أصل الزيتونة ودسمها».
  10. الرسالة إلى غلاطية26:3-29: «لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلّكم الذين    اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى. لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع. فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذاً نسل إبراهيم، وحسب الموعد ورثة».
  11. سفر الرؤيا9:21-14.  
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع