
(ثمانية أشخاص يملكون ثروات تساوي ما يملكه نصف سكان العالم!) [1]
اندهشت وأنا أقرأ هذا الخبر عن أغنياء في العالم، يملكون ما يملكه نصف سكان الأرض! سألتُ نفسي: »كيف جمعوا كل هذه الثروة؟ لماذا يركض هؤلاء خلف جمع المال بهذه الكمية؟ ما الذي يجعل الإنسان يحب المال بهذا القدر؟ ما الفائدة من جمعه إذا كان مقداره يتجاوز كل سنوات عمر الغني من بين هؤلاء الثمانية؟« بقيتُ أيامًا عديدة وأنا أسأل نفسي: »هل في حب المال مضرة؟ هل في جمع المال بشتى الأساليب الفاسدة، يعتبر سرقة؟« "يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟" (أعمال الرسل 5: 3). هل كِبَرُ مقدار مال أحد هؤلاء الثمانية يعادل سلطة رئيس دولة؟ وهل أي واحد من هؤلاء الثمانية يقدر أن يغير سياسة بلاده الفقير؟« أسئلة عديدة، أحاول في مقالتي هذه أن أجد لها جوابًا وافيًا كي أقدمه للقراء وخاصة الفقراء من بيننا. مهما كتبنا أو بحثنا لنفهم الأسباب التي تدفع الشخص إلى الجشعِ في جمع المال، فأننا نقف عاجزين أمام ثروة هؤلاء الثمانية، التي تزداد يومًا بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، إذْ (المال يجلب المال)، وفق مبدأ ميكافيلي (الغايةُ تُبررُ الوسيلة). قد يسأل أحد القراء:
- من هم هؤلاء الذين بيدهم نصف خزينة العالم؟
الجواب: من السهل معرفة أسمائهم من خلال صفحاتِ "غوغل".
وقد يسأل قارئ آخر:
- إلى أي حد يبقى هؤلاء يزدادون ثروة، بينما يزدادُ الفقراء فقرًا مدقعًا؟
الجواب: "وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ، بَلْ كَانَتِ الْكِلاَبُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ."(لوقا 16: 21).
ما دام رئيس هذا العالم هو الشيطان، فستبقى الحالة على ما هي عليه، إن لم تزدد سوءا، لذلك لن تجد أية حكومة حلًّا لكي توقف تراكم ثروة هؤلاء، بل أن عددهم يزداد طرديًا يوما بعد يوم، مقابل ازدياد عدد الفقراء حول العالم. أن امتلاك شخص لمليارات من الأموال والعملات يعتبر في حكم اللامساواة والظلم، مع علمه اليقيني بأنها لن تدوم له "فَقَالَ لَهُ اللهُ: »يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟«" (لوقا 12: 20)؛ ولن تُرجع له ثرواته شبابه، ولن تبعد عنه شبح الموت، ولن تُعرفه طعما للنوم. قد يثأر سؤال من قبل أحد الأغنياء مفاده:
- لو سنحتْ فرصة للفقير ليسرق، ألن يفعلها؟
أجيبه قائلًا:
- لا أنكر أننا بشر و "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ،" (رومية 3: 23)، والمعين هو سكنى الروح القدس في نفوسنا، هو الذي يمنعنا من ارتكاب الخطية.
- إذًا ليست كل طرق ربح الأغنياء غير مشروعة.
- نعم. لكن اعلم أن عملية جمع المال لوحدها، تعتبر اغتصابًا للحقوق المادية للأبناء المجتمع، خاصة عندما تكون الغاية هي الجمع وعدم التشغيل لمنفعة المجتمع.
قد تسأل موظفا مؤمنا حافظًا تعاليم يسوع المسيح متصفا بالأخلاق المسيحية (ينبني السلوك المسيحي على التعليم أو على ما فعله الله من أجلنا.) [2] من ذوي الدخول المحدودة عن واحد من هؤلاء الثمانية الأغنياء، فيجيبكَ بثقة دون حسدٍ، قائلاً:
- هل الغني يأكل أفضل مما أكله؟ هل يرتدي كسوة أفضل مما أرتدي؟ قد ينام على فراش من ريش النعام لكن لا يغمض له جفن. قد تراه يشتهي أكلة ما لكنه لا يقوى على تناولها. قد يقوى على شراء كل شيء ما دام الفقر هو الحال، لكنه لن يقوى على شراء راحة البال أو شراء الحب.
هل تبقى حالة العالم على ما هي عليه، وهي يتجه في اتجاهين متناقضين؟ اتجاه نحو الغنى الفاحش والآخر نحو الفقر المدقع؟ نعم تبقى الحالة كما هي، بل تشير معظم المؤشرات بأنها تزداد سوءًا! ما دام رئيس هذا العالم هو الذي يحتضن الأشرار، الذين يعملون حسب دستوره. ليس الغنى عيب! العيب في أسلوب جمع الأموال بالطرق غير الشرعية، منها الفساد بمختلف أنواعه، ثم الاحتكار، ثم عدم مشاركته في دعم المشاريع العامة وأعمال الخير، ثم عدم دعم اقتصاد البلد، ثم التهرب من دفع الضرائب وارتكاب جريمة غسيل الأموال. أن تكديس المال وحبه إلى حد العبودية يعني خسارة لرضى الله لأن الله أوصانا أن لا نكون عبيدا لغيره فهو سيدنا وخالقنا "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ." (متى6: 24)، لأن الله حذرنا من حب المال لكي لا نكون مثل "كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا." (لوقا 16: 19)، بل نكون مثل "وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوبًا بِالْقُرُوحِ،" (لوقا 16: 20. "فَنَادَى وَقَالَ: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ." (لوقا 16: 24)، يبقى شيء مهم يجب أن يعرفه كل فقير اليوم ما دام عدد الفقراء يزداد يومًا بعد يوم، أن الله ينظر أحوالهم ويحزن عليهم دون أن يتركهم ليس لأن عذاب الفقر هو ثمن يدفعونه لكي يتبرروا من خطاياهم، بل الثمن قد تم دفعه يسوع المسيح بدمه على الصليب. قد يسأل أحد القراء:
- هل يمكن أن يُحرمَ الغني من الملكوت؟ وهل كل فقير يدخل الملكوت؟
الجواب الأول: "فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ،" (لوقا 16: 22). الجواب الثاني: "مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ." (مرقس10: 25). ليست المسألة عامة لأن ليس كل غني لا يخشى الله خاصة الذي يدفع التقدمات والعشور ويساعد الفقراء، وأعماله مرضية أمام الله "وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي." (يعقوب 2: 18). لذلك ليس أحد يقدر أن يدين ويقرر من يتبرر، الغني أم الفقير؟ لكن كل وحسب إيمانه وطاعته لله و"الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ،" (2 تيموثاوس 4: 8)، هو صاحب القرار والسلطان. لكن هل كمسيحيين نؤمن بخلاص النفوس بنعمة يسوع المسيح، لا نقدر أن نميز الصالح من الطالح؟ ونحن نسعى لكي يتحقق قصد الله فينا من خلال سكن الروح القدس فينا. إذًا لنترك الجواب للديان يسوع المسيح، فهو من يقرر. لذلك نقول للغني عابد المال: »كفاكَ جمعًا للمال من لحم أكتاف الفقراء. تبْ، فأعمالكَ الشريرة قد تكون سببًا لفقدانكَ مكان في الفردوس. « وللفقير نقول: »لا تتذمر أبدًا، فالتذمر قد يحرمكَ من ملكوت الله. واعلم أن الفقر بحد ذاته لن يُدخلكَ الملكوت، بل الإيمان والصبر كصبر القديسين. « "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟" (1 كورنثوس 6: 2). ونقول لأنفسنا وأنا أولكم: »يبقى باب التوبة مفتوحًا على مصراعيه لكل الخطاة أ كانوا أغنياء أم فقراء«. دعونا نردد قول الرَّبِّ: "أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى اللهِ عَامِلِينَ أَعْمَالًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ." (أعمال الرسل 26: 20).
دعونا في نهاية المقالة هذه، نصلي من أجل كل فقير وغني، كي يُخلص الله، الأول من فقره ويقدس حياته. ويقود الثاني إلى التوبة وحب وطاعة الله ورفض عبودية المال "لاَ يَنْفَعُ الْغِنَى فِي يَوْمِ السَّخَطِ، أَمَّا الْبِرُّ فَيُنَجِّي مِنَ الْمَوْتِ." (أمثال 11: 4).
المحامي والقاص
مارتن كورش تمرس لولو
[1] https://www.bbc.com/arabic/business-38636612
[2] نص الدرس التاسع"نموذج الحياة المسيحية" من مساق "رسالة رومية" صيف 2025. كلية بيت لحم للكتاب المقدس