• لا تخافي يا أورشليم لأن ملكك آت لخلاصك - بقلم القس حنا كتناشو
لا تخافي يا أورشليم لأن ملكك آت لخلاصك - بقلم القس حنا كتناشو

تأملات من العهد القديم: على من اتكلت؟ (أشعياء 36: 5)

جاء القائد ربشاقي إلى أورشليم ليحاربها ويؤدبها. فكيف تجرأ هذه المدينة الصغيرة على تحدي أعظم سلطة سياسية في العالم؟ وكيف تجرأ على مقاومة قيم وخطط الإمبراطورية الآشورية؟ ومن هي أورشليم لتقف أمام سيده، سنحاريب الملك العظيم، الذي أذل الشعوب واحتل وقتل وسيطر على الأمم الكثيـرة؟ وسأل ربشاقي عدوه حزقيا سؤالا مازال يطنّ في الآذان: على من اتكلت؟

            هل اتكلت أورشليم على الصراعات السياسية بين آشور ومصر أو بين الحضارات الكبيرة لتحصل على حقوقها؟ هل تطلب الحرية والعدالة والسلام من الأمم أم من الله؟ واستهزأ ربشاقي بالذين يتكلون على الله لتحقيق السلام ولنشر العدل ومنع الاستبداد. ونادى بصوت عظيم وبكلمات التخويف ملأ الشوارع. وتكدست خيول الظلم تحمل على ظهورها الاستبداد والكذب. كان العرض واضحا فإما أن يطيع الشعب صوت القوة ويقبولوا أن يكونوا عبيدا وإما الموت والذل. كان العرض مهينا للناس ولله. أصر ربشاقي أن الإيمان بالله لا ينفع شيئا. ولن يفيد الإيمان في تغيير الواقع السياسي والذل الاجتماعي واختلال توازن القوى العسكرية. 

            حزن الأنبياء وصمت الحكماء، لكنهم لم يخافوا ولم يفقدوا ثقتهم بإله السماء. لم يفقدوا ثقتهم بالذي بيده حياة كل إنسان والذي يميل قلوب الملوك حيث يشاء. وتحول الموقف السياسي إلى صراع إيمان. فهل نؤمن أن الله مهتم بالعدل والسلام ومحاسبة اللئام؟ هل نؤمن أن الله يشعر مع المسكين والأرملة واللاجئ والمُسن والمظلوم والمسجون والأسير ومواطني الدرجة الثانية؟ 

            تعلمنا قصة ربشاقي وملكه المستبد سنحاريب أن الله حيٌ ويتدخل بشؤون الأمم. وهكذا خرج ملاك الرب وضرب من جيش آشور 185 ألف جندي. فخسر الإمبراطور الجبار الحرب لأن حربه كانت ضد الله وملكوته وقيمه. ويعلمنا المؤرخ القديم هيـرودوتس أن الفئـران حاربت جيش آشور ليتعلموا أن يهابوا الآلهة (هيـرودوتس 2: 141). ويقول يوسيفيوس أن الله أرسل وبأً على جيش سنحاريب.

            وهنا أعود إلى السؤال: على من اتكلت؟ إن صراعنا ضد الإنظمة السياسية المستبدة هو صراع من أجل الله وعدله وحبه لجميع البشر. لسنا مع هذا ضد ذاك ولكننا مع العدل الكتابي الذي يرفض كل أنواع الشر ويسعى إلى الخلاص الشمولي. يعلن هذا الخلاص أن إتكالنا هو على الله وحده. هو وحده يستحق ثقتنا الكاملة ويقدر أن يخلص إلى التمام. فلنحبه ونتبعه ونعمل بحسب تعليماته بدون خوف أو يأس حتى ولو اصطف جنود الشر بالملايين. إله العدل أعظم وأقوى ومحبته لن تفشل. فلا تخافي يا أورشليم لأن ملكك آت لخلاصك!!

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع