• توقف...ربما تعيد النظر في حياتك! بقلم: بطرس منصور
توقف...ربما تعيد النظر في حياتك!  بقلم: بطرس منصور

وقف الفيروس متسربلا بالخيلاء متباهياً في تاجه المرصّع وقال لرفاقه: "سأتحدى هذا العالم المتهوّر المتكبر وأوقفه عند حدِه". استهزأ منه زملائه الفيروسات في سوق الحيوانات وقالوا: "يا ابن الوطواط، كان السارس اشطر وافتح منك"... لم يكترث لجوابهم واجابهم: "ما لي وللسارس. انا من سلالة فيروس الحمى الاسبانية الذي دب الشلل في العالم قبل قرن من الزمان وطرح الملايين قتلى. سوف تشهدون قوتي! يكفيني ان اتسلل للسوق وسترون كيف ستنفذ حيوانات السوق خطتي ويتمم البشر المهمة الجهنمية بقراراتهم الغبية".

هكذا وسط الصخب والضجيج والتلوث يظهر في مدينة وهان في الصين فيروس صغير لا يُرى بالعين المجردة. فينتقل بسلاسة بواسطة حيوانات السوق للبشر من زوار السواق. ومن هناك ينتشر في المدينة كانتشار النار في الهشيم. وما يلبث ان ينتقل الى باقي ارجاء الدولة المأهولة بكثافة في السكان. بخبث لم يحذّر الصينيون باقي العالم من انتشار الفيروس ...فوصل الفيروس بالطائرات العابرة للقارات الى باقي انحاء العالم.... تماما كما قال الفيروس.

خلال عدة أسابيع- توقفت حركة العالم حرفيا. توقف العمل والتعليم والسفر. هدوء تام.

في هيبة الصمت راجع الانسان سرد احداث الأشهر الأخيرة وقال:

ليأذن لي ايليا ابو ماضي لكن سأقول: جئت، أعلم من اين، ووجدت أمامي طريقا فركضت...

ركضت حتى اصابني الارهاق... اشتركت في العدو مع باقي البشرية فأصابنا الاعياء.

بلهفة سعيت وراء المال والشهرة والنجاح اذ ظننت ان فيها اكتفاء. رغم خيبة أملي، لم اتوقف عن اللهث، بل ضاعفت سرعتي واخذت ابحث عن مقاصد اخرى.

بحثت عن المحبة والعطف والصداقة.... لكن هيهات. ربما طلبتها في المكان الخطأ... لا اعلم.

رغم خيبة الامل لم اخفف سرعة الجري في ماراتون السعي وراء المجهول الذي اعتبرناه ضآلتنا المنشودة

ولكننا في عدوِنا هذا تجاهلنا الامانة التي وضِعت في ايدينا: اجسادنا وعائلاتنا ووقتنا وارضنا.

لم نعتنِ في أجسادنا فأرهقناها، فدبّ فيها الهزال.

أهملنا عائلاتنا في سبيل ما نسعى وراءه فلم نواكب مسيرة حياة اعضائها: لم نعاونهم في تحدياتهم ولا احتفلنا معهم في أفراحهم. مرّت الحياة كفيلم سريع دون توقف.

أسرفنا في قضاء الوقت في تفاهات وملهيات وأصبحت الكماليات اساسيات الحياة... حتى كاد العمر أن يمضي.

كما أهملنا ارضنا التي ائتمنا عليها الله، فلوّثنا البحر والجو فاختبأت الحيوانات في البراري بعيدا عن ضجة الانسان وغيّه.

لكن..... ما ان صعقنا هذا الفيروس المتبجح بهجومه الكاسح حتى تنقى الجو ورجعت البيئة الى سابق عهدها. حتى الحيوانات التي اعتزلت عن البشر وهربت للبراري عادت لتجول وتصول في الشوارع.

توقفت هرولتي التي ظننت انها لن تتوقف.

ثم دخلت الى حجر صحي قسري. لا خروج من البيت. وهناك تعززت أواصر الصداقة.

 تعرفت على عائلاتي وقضيت الساعات الطويلة معهم. تفاجأت انه يمكن التنازل عن الجري وراء الاموال والشهرة والصداقة.

لكني احسست في عزلتي ان تلك المحبة التي ركضت وراءها قبلا ما زالت ناقصة. واعطتني فرصة للتأمل وللبحث عن المحبة الحقيقية. وقفت خالي الوفاض في هذا الصمت اسأل الله عنها.

وجهني الله الى داخلي. من وضع فيّ هذه الحاجة للمحبة؟ مَن يملأ هذا الفراغ في داخلي الا من صممه في بهذا الشكل في داخلي؟ "لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا"(رومية 5: 5).

فاض القلب بالمحبة الإلهية. وجد فراغ القلب ما يملأه حتى الفيضان.

في تلك اللحظة أعلنت وزارة الصحة انتهاء الاغلاق والحجْر والعودة للحياة في سابق عهدها. حري بنا ان نحياها بشكل مختلف عن سابق عهدها.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع