• سمات الخدمة الناجحة - بقلم إدوارد سعيد عيسى
سمات الخدمة الناجحة - بقلم إدوارد سعيد عيسى

نري في معجزة شفاء المفلوج ( المشلول)  والمذكورة في انجيل مرقس 2: 1-12 من خلال الرجال الأربعة الحاملين له نموذجاً رائعاً للخدمة الناجحة والتي تتسم بثلاث سمات أساسية وهي التضحية، الإبداع والتعاون

(1) الخدمة المُضحية :-

لقد كانت هناك مجموعة من الأسباب والعوائق التي كان يمكنهم الإعتذار بسببها منها:

(1) فلقد كان الزحام كثيراً حتى ان البيت لم يسع ولا ما حوله.
(2) مشغولية الرب يسوع فقد كان يخاطب الجموع بالكلمة أنه ليس الوقت المناسب.
(3)صعوبة الوصول إلية لو5: 18, 19" 18وَإِذَا بِرِجَال يَحْمِلُونَ عَلَى فِرَاشٍ إِنْسَانًا مَفْلُوجًا، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ وَيَضَعُوهُ أَمَامَهُ. 19وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُونَ بِهِ لِسَبَبِ الْجَمْعِ،"
(4) وجود الكثير من المرضى لو5: 17"17وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ كَانَ يُعَلِّمُ، وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ وَهُمْ قَدْ أَتَوْا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُوَّةُ الرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ."

 لقد كان عند هؤلاء الرجال عدة أسباب مقبولة ومنطقية للإعتذار أو على الأقل التأجيل إلي وقتٍ آخر ولا يستطيع أحد ان يلومهم عليها، ولكن كان شعارهم سوف نخدمك مهما كانت التكلفة والتضحية. نعم إن تضحية هؤلاء الرجال أدت إلي نجاح خدمتهم، وهكذا علينا نحن أيضاً أن نضحي بالجهد والمال والوقت ويكون للخدمة المقام الأول في حياتنا.

شروط الخدمة المُضحية
(أ) الحب الحقيقي للمريض وليس الحب الشّكلي

شرط أساسي لابد أن تتسم به الخدمة المُضحية إلا وهو الحب، لا يمكن لهؤلاء الرجال أن يتحمّلوا كل هذا التعب والعناء ما لم يكن لديهم محبة حقيقية لهذا المريض، فبالرغم من مرض هذا الشخص بهذا المرض العضال ( لقد كان مشلولاً شللاً كاملاً (شلل رباعي) أي لا يستطيع أن يتحرك أو يساعد نفسه ولو بأقل القليل)، كما ان نظرة المجتمع اليهودي لهذا المريض انه رجلٌ خاطي، ولكن المحبة الحقيقية التي كانت عند هؤلاء الرجال جعلتهم لا يقيموا وزناً لكل هذه الاعتبارات، بل قادتهم أن يقدموا كل التضحيات لمساعدة هذا الانسان.

(ب) الإقتناع

الإقتناع بالقضية أمر مهم جداً، ففاقد الشئ لا يعطية، فلو لم يكن هؤلاء الرجال عندهم القناعة الكاملة بقضية هذا المريض لما استطاعوا أن يضحوا حتى يكملوا العمل، فالخدمة بدون إقتناع تكون مجرد روتين، فتكون خدمة بلا ثمر وبالتالي لا يمكن الاستمرار فيها خاصة لو كان هناك تكلفة باهضة لهذه الخدمة، أما الخدمة التي تتم عن إقتناع  فلابد أن تأتي بثمر والله يبارك في العمل.

ولنا في نحميا مثال كتابي رائع عن شخص ضحى براحته وحياته المرفهة ومركزه في شوشن القصر كساقي للملك، لكنه اتخذ قراره بالعوده إلي أورشليم وذلك لأنه كان لديه إقتناع كامل بقضيتة (نح 2: 3) وبرغم كل المصاعب والمعوقات التي واجهته في اعادة بناء السور سواء داخلية أم خارجية، لكنه تمم العمل في النهاية وكانت يد الرب معه.  

(2) الخدمة الخلاّقة ( المُبدِّعة )

     لقد واجهة الرجال الأربعة تحديات متعددة وكان يمكنهم أن يتراجعوا ويقولوا ليس بالإمكان أن نفعل شيء ويعودوا من حيث أتوا، لكنهم لم يفكروا بهذه الطريقة السلبية وفكروا في عمل شيء جديد
بشكل إيجابي خلاّق. "كَشَفُوا السَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا السَّرِيرَ الَّذِي كَانَ الْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعًا عَلَيْهِ." (ع4)، فلم يفشلوا بل قبلوا التحدي فأبتكروا طريقة بها أستطاعوا أن يحققوا هدفهم وهوأن يوَّصِلوا الرجل المفلوج إلى المسيح.

فلابد اثناء الخدمة أن تواجهنا صعوبات وتحديات ولكن علينا أن نكون خلاّقين ومُبدِعين غير عاملين عمل الرب بأيدي مرتخية "مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ..." (إر48: 10)، كما نصح الرسول بولس تلميذه تيموثاوس"فَاشْتَرِكْ أَنْتَ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ."(2تي2: 3)، ونحن ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين العظمة في الأعالي، نعم ستواجهنا صعوبات ولكن علينا أن نفكر بصبر وتصميم وتسليم لله سنجد حلولاً كثيرة.

(3) الخدمة المتعاونه 

    التعاون شرط رئيسي وضروري لنجاح الخدمة بل وأي عمل روحي، فلولا تعاون الأصدقاء الأربعة لم يكن ممكناً أن تنجح الخدمة ولو تخلى واحد منهم فقط لكان مستحيل ان يحققوا هدفهم، وهذا ما يؤكده الرسول بولس حيث يشبّه الكنسية كجسد واحد للمسيح، والجسد به أعضاء كثيرة ولكي يقوم الجسد بدوره لابد أن يقوم الأعضاء بالتعاون معاً، "فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ،هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ." (رو12: 4, 5)، وهذا ما حدث مع نحميا في إعادة بناء السور، فلقد اشترك الشعب كله في العمل كلٌ امام بيته (إقرأ نحميا إصحاح 3) وهكذا تم إنجاز العمل بنجاح وتمجد الله في الشعب أمام أعين الجميع.

      ولكن يعطي الرسول بولس بعداً آخر في رسالته إلي كنيسة كورنثوس التي انقسمت على نفسها، البعض مع بولس والآخر مع أبولس فيقول من هو بولس ؟ومن هو أبولس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما فإننا نحن عاملان مع الله، " 5 فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَمَا أَعْطَى الرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ: أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى، لكِنَّ اللهَ كَانَ يُنْمِي.7 إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي... 9 فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ." (1كو3: 5-9)، وهنا نرى إننا ونحن نخدم نتعاون معاً ونضع إيدينا في يد بعضنا البعض، في يد الله نفسه، لإتمام الخدمة المُوكلة إلينا فما أروع هذا الإمتياز. 

     دعونا نتعاون أحبائي ونضع أيدينا بيد بعضنا البعض وننكر ذواتنا ونعطي المجد لله الذي يستحق ان يأخذ كل المجد والإكرام والسجود والعبادة  فليس الغارس شيئاً ولا الساقي شيئاً بل الله الذي يُنمي،  ودعونا نقول مع نحميا  "إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي." ( نح2: 20)

ملاحظات ختامية

(1) إذا أردت ان تخدم خدمة ناجحة لابد أن تتصف خدمتك بهذه الصفات التضحية...الإبداع... التعاون.
(2)كن متكلاً علي الله ولا تتكل علي نفسك لكي لا تفشل.
(3) نخدم بالرجاء والأمل فالله لم يُعطينا روح الفشل بل روح المحبه والقوة النصح.
(4) أخدم بسلوكك أكثر من عظاتك ( كن قدوة )، أجعل الناس يرون المسيح فيك.

 

إدوارد سعيد عيسى هو طالب بكلية بيت لحم للكتاب المقدس

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع