• الإرسالية المسيحية في السياق الفلسطيني بقلم: القس الدكتور جاك سارة
الإرسالية المسيحية في السياق الفلسطيني بقلم: القس الدكتور جاك سارة

مقتطفات من مقال القس الدكتور جاك سارة، رئيس كلية بيت لحم للكتاب المقدس ومنسق خدمة الاتحاد الإنجيلي العالمي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في كتاب "نحو ذهن متجدد"*


لقد اختار الله الكنيسة لتحمل رسالة الخلاص لجميع شعوب الأرض في كل جيل، لذا فهو يختار أن يعمل بواسطتنا أيضًا. ويقوّي يسوع نفسه الكنيسة لتكون شهادة حقيقية عن خلاصة (أعمال الرسل 1 :8). لقد اختار الكنيسة لتكون "مملكة كهنة"، تتحدث عن صلاحه اذ خلّصهم بدمه، وأتى بهم من الظلمة إلى النور (1 بطرس 2: 9). وإن الكنيسة حسب ما يعرّفها بوش هي: "سر وجود الله في العالم...لا تقدّم الكنيسة نفسها بغطرسة وتكبر، ولكن بتواضع، لا تعرّف نفسها بأصناف قانونية، أو نخبة من النفوس المتعالية، بل كخادمة للمجتمع." 


تماما مثل الله، إن الكنيسة إرسالية، فهي موسومة بالإرساليات من الخالق، والمخلص ومؤسس الإيمان. وجِدت الكنيسة وأرسلت من الله لتقوم بما يقوم به. ولكي تحقق مقاصده، يجب على الكنيسة أن تقوم بما يقوم به هو، وما دعيت لتقوم به من خلالها. نميل أحيانًا للتفكير في خدماتنا، بأن الكنيسة هي الجسد المرسِل للمرسَلين، ولكن الله هو المُرسِل، وقد أرسلت الكنيسة على نحو كامل إلى العالم من قِبَله. ولذا فإن العمل الإرسالي يجب أن يكون أمرًا طبيعيًا للكنيسة. يعمل الله الإرساليات عن طريق إظهار نفسه للشعب، وتخليصهم من أجل مجده. إنه يعمل الإرساليات لأنه أمر طبيعي له: فقد أعطيت طبيعته وشخصه للكنيسة. " لأنّ الله هو إله مرسِل، فإنّ شعب الله هو شعب مرسِل أيضًا... ومن المستحيل أن نتحدّث عن الكنيسة من غير التحدّث عن إرساليتها." 

تقوم الكنيسة بالإرساليات ليس لمجرد كونها وصية من الله. لقد أمر الكنيسة بالفعل أن تذهب إلى العالم من أجله. ولكن الكنيسة تذهب للعالم من أجل حضوره في الكنيسة على الأرض. يتعمد الروح القدس في الكنيسة أن يعرّف الناس بخالقهم ومخلصهم. ولهذا يجب على الكنيسة أن تقدّم معرفة الله للجميع. بما أنّ الكنيسة تعرف مخلصها فهي تدعو لكي يصبح معروفًا: "بواسطة إعلان المسيح إننا نقدّم لجميع الأشخاص فرصة لفهم ما يعمله الله في التاريخ. بشهادتها في الأقوال والأفعال والحياة العامة، تشهد (الكنيسة) عن عمل يسوع وخلاصه." 

جاء مصطلح الكنيسة من الأصل اليوناني "إكليسيا" التي تعني " أُفرِز." في العهد الجديد. وهي جسد مخصص (مُفرَز) من المؤمنين المعَمَدين، والذين ينطقون باسم يسوع المسيح كمخلص ورب. بعد قبولهم للخلاص، أخذ هؤلاء المؤمنين الأوائل الرسالة التي استلموها، وبدأوا يخبرون من حولهم بها عفويًا! لقد كان بإمكان الآخرين رؤيتهم، فقد تجمعوا في مجتمعاتهم، وكوّنوا شركة بينهم ملؤها المحبة والتواضع. وتأخذ الكنيسة مسؤولية ليس لما يقال فحسب، بل لما يُفعل أيضًا. يشهد اهتمامها الاجتماعي لحقيقتها الإلهية ومحبة الله للعالم كله. هذه إرساليتها ودعوتها، وهي تشهد عن خلاص الله وتعيش لمجده. حياتها ونشاطها يأتيان من وجودها. وجود الكنيسة "مرتبط بوجود الإرساليات، تماما كارتباط النار بوجود الحريق." 

أخيرا وبخصوص هذا الموضوع، أود اقتباس كلام تيري سميث وأندرسون (Terry, Smith & Anderson): "القصد الإرسالي لشعب الله يتصل مع طبيعة كنائس العهد الجديد على نحو لا يمكن فصله. لا يقرّ هذا الهدف بأي فهم مجرّد عن الكنيسة. يجري التعبير عنها بمصطلحات ملموسة وباستعارات مثل شعب الله، وجسد المؤمنين وهيكل الروح القدس. قصد الكنيسة الإرسالي هو عمل الله المخلّص على الأرض. وتقوم الكنيسة بهذا من خلال التبشير والتلمذة والخدمة الاجتماعية. وتكوّن كل من هذه النشاطات جزءًا من إرسالية الكنيسة التي يتم التعبير عنها لاحقا في أعمال الإرساليات من قبل الكنائس." إضافة إلى ذلك، لقد سعينا أن نصف القصد الإرسالي لشعب الله فيما يختص أساسه (الله)، وطبيعته (تفويضات ثقافية وتبشيرية، مع التركيز على التبشيرية)، ودوافعه (المجد، والفداء، والحكمة)، ودعوته/ المسؤولية (تبشير الضائعين، وبناء المؤمنين، وتأسيس كنائس العهد الجديد).

لقد صاغ الله إرسالياته في الإرسالية العظمى التي أعطاها لشعبه بابنه يسوع المسيح. الكنيسة هي شعب له ميّزة عظيمة ومسؤولية خطيرة. إذا تمكنا من إنجاز التبشير العالمي في جيلنا، فعلينا أن نجدد التزامنا للهدف الإلهي، وإعادة تكريس أنفسنا تجاه المهمة الإلهية، وتكثيف جهودنا من أجل تتميم المأمورية العظمى."  لقد أمر يسوع تلاميذه: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (متى 28: 19،20). إن وصية يسوع بسيطة وواضحة. لم يوضح ماذا يجب على أتباعه أن يفعلوه فحسب، بل قدّم الروح القدس الذي يعطي مختاريه القدرة على تنفيذ تعليماته. يجب ان ينبع تحفيز الكنيسة والمرسلين المستقلين والمرسلين من قبل جهة معينة، ليس من قبل رغبة في ترك أثر في المجتمع، بل من الطاعة لكلمة الله، والرغبة في إرضائه.


*يمكن الحصول على الكتاب من احدى الجهات الراعية: كلية بيت لحم للكتاب المقدس او كلية الناصرة الانجيلية او موقع "تعال وانظر".

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع