• التضامن مع المضطهدين - جون منيّر
التضامن مع المضطهدين - جون منيّر

"قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي«.  فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ.  فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ!  وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ«."  (متى 19: 21-24).

 

ماذا يعني أن نكون متضامنين؟ هل هو مجرد إعطاء القليل من المال كل شهر للفقراء؟ يتحدى يسوع الرجل الغني أن يذهب إلى أبعد من مجرد الصدقة للفقراء، كما يفعل الكثير منا، بل بأن يتضامن مع الفقراء. إنه يدعو الرجل إلى احتضان التضامن الحقيقي، أي أن يصبح هو نفسه فقيرًا. هذه ليست مجرد قضية وضع اقتصادي. إذ يدعو المسيح الأشخاص الذين يتمتعون بامتيازات أن يكونوا متضامنين مع المظلومين. في الواقع، هذا هو بالضبط ما فعله المسيح نفسه، فقد تجسد كيهودي من القرن الأول يعيش تحت الاحتلال، وجاء من خلفية متواضعة ليخدم الفقراء والمرضى والأجانب والمهمشين. لم يعطِ يسوع المال للمظلومين فحسب، بل أصبح هو نفسه جزءًا من المجتمعات المضطهدة. كان هذا تضامنه الحقيقي، ويا له من تحد بالنسبة لنا. ما يقوله يسوع أساسًا هو أن التابع الحقيقي له هو الذي يتخلى عن امتيازه ويصبح جزءًا من الشعب المظلوم.

 

كفلسطينيين، سواء أتينا من الناصرة أو اللد أو القدس أو بيت لحم أو غزة، جميعنا نعيش في ظل أشكال متعددة من الاضطهاد والاحتلال. علامة هويتنا كفلسطينيين تعني تلقائيًا أن النظام دائما ضدنا. وهذا يتحدى أولئك غير الفلسطينيين أن يكونوا مثل المسيح وأن يلتزموا بالتضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل المساواة والكرامة والعدالة. من الناحية العملية، يمكن القيام بذلك من خلال مناصرة الفلسطينيين، والمشي جنبًا إلى جنب معهم على هذه الأرض، والتعاون مع مشاريعهم ودعم مبادراتهم. ومثل الرجل الغني، عندما يلتزم غير الفلسطيني بالتضامن الحقيقي، يصبح هو نفسه "فقيرًا"، أو في سياقنا "فلسطينيًا". وفي سعيه لاتباع المسيح تضامناً مع المظلومين سوف يشعر بغضب وضغط الأفراد والهيئات الصهيونية تجاهه، ولكن ما هذا الا جزء من معنى حملنا للصليب واتباعنا المسيح.

 

علاوة على ذلك، يمثل هذا أيضًا تحديًا لنا نحن الفلسطينيين حتى نتضامن مع المضطهدين الآخرين في جميع أنحاء العالم كما في فلسطين؛ مع الجماعات التي قد تتعرض للاضطهاد بسبب طبقتها ولونها ودينها وجنسها. إذا تحدثنا بصدق، فإننا كمسيحيين فلسطينيين نميل إلى أن نكون من ذوي خلفيات اجتماعية واقتصادية أعلى شأناً (لأسباب متنوعة)، ولكن ذلك لا يعني أن ننسى اليتيم والأرملة والغريب والفقير بيننا.

 

كمسيحيين، في فلسطين وحول العالم، نحن مثقلون بمعرفة علامات هذا العصر. فنحن بحاجة إلى تحديد مكان عمل الروح القدس ومن الذي سيخدمه المسيح في سياقنا ومجتمعنا. هذه في الواقع مهمة عالم اللاهوت، اي جميعنا (دون حاجتنا لشهادة أكاديمية). ففي الكتاب المقدس، يُذكر كثيرا أن الله يخدم بين المجتمعات والأفراد الذين لا نتوقعهم. لكن ما هو مؤكد من الكتاب المقدس وخدمة المسيح، هو أنه دائمًا ما يخدم بين المهمشين والمضطهدين. والسؤال هنا هو من هم المهمشون والمضطهدون في فلسطين؟

 جون منيّر هو مُحاضر في كلية بيت لحم للكتاب المقدس ومنسق لمجلة الدراسات المسيحية الفلسطينية

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع