• أين نحن من أيام الذكرى؟ بقلم: بطرس منصور
أين نحن من أيام الذكرى؟  بقلم: بطرس منصور

لعل تشكل حياة جديدة في الولادة هي أكثر التجارب الإنسانية الحبلى بالعواطف الجياشة. فولادة طفل جديد وتكوينه كانسان متكامل الملامح، وان كان لا يتعدى وزنه الأربعة كيلوغرامات، ضرب من العجب. من هنا يتردد المرء هل يستخدم كلمة "إحياء" لما في المصطلح من قدسية بالذات عند الحديث عن حدث سنوي تاريخي غير ديني يتذكر فيه شعب ما حادثة او واقعة فارقة في حياة ذلك الشعب.

نظراً لما عاناه شعبنا فان أيام الذكرى التي يتم احياءها هي اجمالاً لحوادث تثير الحزن والحسرة والانقباض بالنفس. وليس ذلك فقط ولكنها كثيرة ومتعددة تمتد لأكثر من قرن من الزمن المشبع بالحروب والمآسي. فهناك- ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى وذكرى النكبة والنكسة ويوم الأرض ومجزرة كفر قاسم ومجزرة دير ياسين وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وأيلول الأسود وحرب أكتوبر (يوم الغفران) ووعد بلفور وهبة أكتوبر وغيرها الكثير وهذا مجرد غيض من فيض. للأسف يندر وجود أيام ذكرى تبعث الفرح في النفس. إنها مرآة لما عاناه شعبنا.

ان القصد من احياء تلك الأيام في الذكرى السنوية لها هو تنشيط للذاكرة، وبعث ما يرمز اليه ذلك اليوم مجدداً، فلا ينسى الشعب ما مرّ به في مسيرته والدماء التي اريقت لهدف سامٍ.

يتوق الانسان الى ما قد يذكّره بالفرح والانتصار والازدهار ويجلب له الفخر والنشوة. انه يسعى ارادياً او بغفلة ودون قصد الى قمع ما يعيد اليه ذكريات اليمة. 

لقد أصبحت أيام إحياء تلك الذكريات السنوية المؤلمة على فعالياتها الشعبية العامة في بلادنا حصراً على مجموعة محدودة من موظفي الأحزاب المحترفين او السياسيين او فئة صغيرة من أبناء الشعب المسيّسين.

لن اطرح منظومة حلول للسؤال المطروح وانما فقط سأطرح عدة تساؤلات قد تساهم في منح الاجابات:

  1. هل هناك جدوى من عقد هذه الفعاليات التذكارية سوى انها تبعث الحزن وتترك اثراً سلبياً في النفوس فتجعل استمرار الحياة المشتركة في البلاد بسبب ترسبات الماضي أمراً شاقاً؟
  2. هل الأيام التذكارية برمتها متشابهة أم يتوجب احياءها او عدمه بحسب حيثيات كل واحدة منها؟ هل مذبحة كفرقاسم مثلاً التي قتل فيها مواطنين عزل بدم بارد مشابهة لذكرى النكسة؟
  3. من الجهة الثانية- هل يمكن أداء الواجب الذي يحثنا الله اليه وهو "فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين" (رومية 12: 15) دون ان نشترك في ذكريات آلام شعبنا؟
  4. هل يعتبر تجاهل الأيام التذكارية بمثابة تجنباً لما يطلبه منا الرب ان نسعى للعدل (مثلاً في أشعياء 1: 17: "تعلموا فعل الخير اطلبوا الحق أنصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الارملة")؟
  5. هل من الممكن ان يؤدي تجاهل تاريخ شعبنا الى طمس الهوية ومن هنا يتكون جيل منسلخ عن هوية شعبه ففَقَدَ فعاليّة خدمته لأنه مرتبك الهوية والدعوة الإلهية؟
  6. هل احياء ذكرى حوادث فارقة مؤلمة يساهم اصلاً في مبتغانا ان نسعى للعدل أم هي بكاء على الماضي ورش الملح على الجروح؟
  7. كيف يمكن الاشتراك في أيام الذكرى عندما تحمل فعالياتها صبغة مختلفة عن قيمنا وعقيدتنا، علماً ان أبناء شعبنا بغالبيتهم مختلفون عنا؟
  8. الا يتوجب ان نبحث عن الحوادث المبهجة العامة لأبناء شعبنا والتي هي مدعاة للفخر والاعتزاز والتي نود الإشارة لها في ذكرى سنوية بحيث يذوت جميع المحتفلين أهميتها ويحثوا على الحذو حذو ابطالها والتشبث بالقيم التي رافقتها؟
  9. هل هناك طريقة بديلة يمكن اعتمادها بدل أيام الذكرى والخطابات الرنانة والمسيرات ليتم بواسطتها إبقاء شعلة الذكرى حيّة في الاذهان بينما تحمل أملا لمستقبل أفضل مثلاً التوعية بمرافقة صلوات لأجل المتضررين وصلوات لغد مشرق بالأمل؟
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع