• حيفا 1934 - عندما شاهد الناس شجرة الميلاد لأول مرة - بدر منصور
حيفا 1934 - عندما شاهد الناس شجرة الميلاد لأول مرة - بدر منصور

في ملء الزمان، بشر الملاك عذراء في بلدة تدعى ناصرة بمجيء المسيح، ليولد بعدها في مذود حقير في بيت لحم (إنجيل لوقا الأصحاح الثاني)، ولكن عيد الميلاد كما نعرفه اليوم هو عيد لم يكن ليُحتفل به في بلد المسيح في اوائل القرن العشرين، وكان وقتها عيد الفصح هو العيد الأهم للمسيحيين وسمي "العيد الكبير".

مع قدوم المرسلين المعمدانيين الأميركان وغيرهم الى بلادنا تعرفت الناس على هذه الاحتفالات بعيد الميلاد على الطِّراز الغربيّ بكل ما يحتويه من شجرة العيد، وسانتا كلوز، والترانيم الخاصة بالعيد، والهدايا التقليديّة.

هذا مقطع من كتابي " تاريخ الكنائس المعمدانية  في الأراضي المقدسة 1867-1950 والذي يروي كيف احتفلت الكنيسة المعمدانية الصغيرة في حيفا بعيد الميلاد عام 1934.

وصل إلى فلسطين في عام 1929، قادمًا من الولايات المتحدة، المرسل روزويل أوينز وزوجته دورين، وهي من أصل إيرلندي. وبعد أن تعلّما اللغة العربية في القدس، انتقلا إلى الناصرة. في عام 1933، تقرّر أن ينتقل روزويل أونز وعائلته إلى حيفا لتأسيس خدمة معمدانية فيها. في البداية، كانت الاجتماعات تُعقد في أيّ بيت كان متاحًا ومرحِّبًا بهم. فكانت تُجرى الخدمات أحيانا في غرف صغيرة ومكتظة، مع وجود شخص مريض يرقد في أحد جوانب الغرفة أو بوجود طفل يصرخ باكيا من أوجاع مرض الحصبة. جعلت هذه الأوضاع الصّعبة قلوبهم تتوق إلى استئجار قاعة تكون مقرًّاٍ لاجتماعاتهم، لكن لم تتوفّر لهم ميزانية لذلك.

في عام 1934، استأجرت الارسالية غرفة للاجتماعات في شارع ستانتون (هذا الشارع تحول بعد قيام دولة إسرائيل إلى شارع شيفات تسيون).

وتقول السيدة دورين أونز، زوجة المرسل، في رسالة كتبتها في اليوم الأول من عام 1935:

انشغلنا في الأشهر الأخيرة في التحضير لتأثيث قاعة الخدمة الجديدة، التي هي بمثابة عليّة صغيرة في مركز المدينة. واستعملنا الميزانية المعطاة بحذر شديد لتسديد الحاجات الماسّة، لا غير. وفي البداية، لم نستطع شراء إلا خمسة مقاعد فقط، وقام المحليون بتغطية نصف ثمنها، فكان هذا من دواعي سرورنا. إذ كان قيام المحليين بالمساهمة بالفعل هدية تضحية وتعبيرًا ملموسًا عن فهمهم للبركة الناتجة عن العطاء لله ولعمله.

كنّا نأمل أن يكون أوّل احتفال لنا بعيد الميلاد المجيد في القاعة الجديدة بروح الميلاد الحقيقية، وهي روح العطاء، بدلا من الأخذ. وشهدنا بفرح كيف قام الأشخاص في الاجتماع الذي عُقد ليلة الميلاد و"قَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا"، كلٌ حسب مقدرته. قدّم أغلبهم عطايا مالية، وأحضر بعضهم مقتنيات لتباع، وأضيفت العائدات إلى تقدمة الميلاد. جاءت إحدى الهدايا المؤثرة من أرملة عندها ستة أولاد يعيلهم الابن الأكبر بمعاش يساوي 12 دولارًا في الشّهر. قامت هذه السيدة بتقديم طاقيّة مُطرّزة من صنعها، وقد ذكّرتنا بمثل "فلس الأرملة" التي أعطت من إعوازها.

أما أولادنا الثلاثة فقد اشتروا من مصروفهم الخاصّ صندوقًا من الخشب لجمع العطايا. أماّ نحن فاشترينا منبرًا واثني عشر كتابًا مُقدّسًا كُنّا في أمسِّ الحاجة إليها. أما النجّار الذي سبق أن تبرّع ببناء حاملة كتب الترانيم المُثبّتة في ظهر المقاعد، فقام هذه المرّة بالتبرّع بمشجب (تعليقة) للمعاطف والقبّعات.

وكانت الكنيسة تُبنى شيئًا فشيئًا بمحبة الناس والصلوات والهدايا ودعم المؤمنين من الولايات المتحدة.

أما يوم العيد فقد كان يومًا مثيرًا حقا. إذ قمنا باستقبال أعضاء الكنيسة في بيتنا المتواضع. ولم يحظَ أغلب الأشخاص الذين حضروا فرصة في حياتهم بالاحتفال بعيد الميلاد كما نحتفل به نحن. كان لدينا 12 كرسيًا فقط، ولذلك قمنا بإحضار "قرميات" وصناديق من كل جوانب البيت ووضعناها في كل زاوية من زوايا البيت. وأحضرنا فرشتيْن ووضعناهما على الأرض وغطيناهما ببساط حيث جلس الكثيرون، إذ إنّ محليين كثيرين كانوا معتادين الجلوس على الأرض.

في ليلة العيد، كان بيتنا يغصّ بالحاضرين الذين يُقدَّر عددهم بـِ60 شخصًا، فقمنا بوضع شجرة عيد الميلاد في الوسط .

كان الجوّ جميلا عندما قمنا بإنارة الشموع والشعلات. ويا لها من فرحة، ولاسيما أنها كانت المرّة الأولى في حياتهم يرون ويشاهدون فيها شجرة الميلاد!!. ومن ثمّ قمنا برواية قصة الميلاد كما تمّ سردها في حقول بيت لحم. قلوبنا كانت مفعمة بالفرح حين علت ترنيماتنا وصلينا معًا واستمتعنا معًا.

وقبل أن يغادر الضيوف، قمنا بتقديم المُرطبات، وعصير المندرين، والحَلوى والزَّبيب والمُكسَّرات، والقهوة العربية والكعك. استهلك الضيوف 164 كعكة، وكانوا سيأكلون المزيد لو توفر المزيد منها! أما الأولاد فقد تمتعوا بهدايا الميلاد وما احتوت من ألعابٍ قُدِّمت لهم في جوارب الميلاد الخاصّة، حيث لم يسبق لأحد منهم أن عرف معنى اقتناء هدية يلعب بها وتكون ملكًا خاصًّا به.

ويخطر على بالي أنه توجد في الجهة الأخرى للمحيط آلاف البيوت التي تتمتع ببركات عديدة سببها عيد الميلاد الأول العظيم. فيا ليتنا جميعا نتذكر كم نحن بحاجة إلى أن يشارك بعضنا البعض الاحتفال والفرحة.

 

لمزيد من التفاصيل عن كتاب تاريخ الكنائس المعمدانية  في الأراضي المقدسة 1867-1950 يمكن زيارة هذه الصفحة على الفيسبوك -  تاريخ الكنائس المعمدانية

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع