• الصلاة الربانية في الكنيسة الإنجيليّة - بيير طنوس - نحو ذهن متجدد
الصلاة الربانية في الكنيسة الإنجيليّة - بيير طنوس - نحو ذهن متجدد

مقتطفات* من مقال "الصلاة الربانية في الكنيسة الإنجيليّة" في كتاب "نحو ذهن متجدد" للأستاذ بيير طنوس وهو أستاذ للاهوت في كلية الناصرة الانجيلية ومرشد سياحي مرخّص


كيف يمكن ألاّ ندخل في تجربة؟ الرب يسوع نفسه جُرِّب من إبليس. يؤكّد القديس أوريجانوس  أنه من المُستحيل ألا نُجرّب، فمعنى "لا تدخلنا في تجربة لكن نجّنا من الشرير"، هو ألا يسمح الرب للتجربة أن تكتنفنا، بحيث يُصبح من المُستحيل أن نخرُج منها، وهكذا نُصبح في يدي الشرير. يدعم أوريجانوس رأيه بقصة أيوب، فقد سمح الرب لإبليس أن يُجرّب أيوب بأصعب التجارب، لكنه منعه من أن يمس نفسه. ودعم رأيه أيضًا باقتباس مزمور 34 "كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ، وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" (19:34). فنجاة الرب لا تعني غياب التجارب والبلايا. لكنها تعني أن من يلتصق بالرب خلالها، لن يَسمح الرب بأن يُدفع ليدي إبليس. فما هي هذه التجارب وكيف نواجهها؟ 
قد تواجه الكنيسة (وأعضاؤها) تجارب واضحة كالاضطهاد العنيف. وقد حدث هذا في الماضي، لا سيّما في القرون الثلاثة الأولى، ويحدث في الحاضر. ورغم الفكرة الشائعة أن الاضطهاد يُقوي الكنيسة، وكثيرون منّا استخدموا عبارة ترتليان الشهيرة "دم الشهداء هو بذار الكنيسة"،  لكن المؤرخ خوستو غونزالس يَذكر أن عدد العاثرين الذين خضعوا لشروط المُضطهدين في شمال أفريقيا، وسلّموا الكتب المُقدسة التي كانت بحوزتهم، كان كبيرًا (فعليًا نكروا المسيح).  كانت هذه هي الأزمة الأولى في الأمر، لكن الأزمة الثانية كانت في أن العاثرين أرادوا أن يعودوا للكنيسة بعد أن انطفأت نيران الاضطهاد. وسبّب قبولهم ثانية في الكنيسة أو رفضهم، انشقاقًا كبيرًا في الكنيسة (أزمة الدوناتيين). لم يُقوِّ الاضطهاد الكنيسة إذًا، بل أضعفها. ولذلك، فإن الفكرة "الرومانسيّة" التي ترى أننا نحتاج إلى اضطهاد لكي يقوّي إيماننا ليست دقيقة، بل نحتاج أن نُصلّي لكي يقوّي الرب إيماننا في فترات السلام، وأن يُثبتنا في الإيمان في فترات الاضطهاد.


لكن الخطر الأكبر على الكنيسة على ما أعتقد، هو أن تفقد الكنيسة هويتها دون أن تشعر بذلك. فالكنيسة موجودة في العالم، لكنها ليست من العالم، وهي مُرسلة إلى العالم. وإرساليتها تشمل البشارة بالإنجيل، وتشمل الصوت النبوي كذلك. لكن ماذا سيحدث عندما تصبح قيم العالم هي نفسها قيم الكنيسة؟ ماذا سيحدث عندما تُدار الكنيسة بالقوة وليس بالنعمة، وبالمنافسة وليس بالمحبة، وبالإنجازات الظاهرة للعيان وليس بالإيمان العميق؟ إن الإجابة على ذلك هي: سيكون لها عندها اسم بأنها حية، لكنها بالواقع ميتة وبلا تأثير في العالم. وعندما يأتي الاضطهاد سيظهر ضعفها بسرعة. ولذلك، يجب أن تكون صلاة الكنيسة،" يا رب افتح أعين قلوبنا، لكي نكون حساسين لصوت روحك القدّوس عندما ينبهنا، لكي لا نُشاكل هذا الدهر، وتكون قيمنا قيم ملكوت السموات".

تمجيد للرب وخلاصة، لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين

نحن نأتي إلى الآب بكل ثقة لأنه الله الخالق، هو صنع هذا العالم، ويعرف كيف يجب أن يُدار. وقد اختار الرب الكنيسة من أجل العالم، وأرسلها للعالم. ولكي تُحقق الكنيسة دعوتها، يجب أن تُصلّي واثقة أن صاحب المُلك والقوة والمجد، سيستجيب لطلباتها المرفوعة أمامه في سياق تلك الدعوة، وفيما يُلائم الأخبار السارة التي وُكِّلت عليها.

قد يبدو ما كتبته عن الصلاة معقّدًا بعض الشيء، لكنه ليس كذلك، فإننا ببساطة نُصلّي رسالة إنجيلنا، وعمق صلاتنا كعمق رسالة إنجيلنا. وما حاولت فعله، هو فهم هذه الصلاة العميقة في معانيها بالرغم من قصرها. وما فهمته هو أننا نُصلّي بحسب الإنجيل الذي نُبشر به وتعلمناه، ولكي نُصلّي بحسب إنجيل المسيح يجب أن نفهمه. على سبيل المثال، نحن نُصلّي إلى الله الذي خلّصنا بيسوع المسيح، وليس لإله يُريد أن يُديننا؛ نحن نُصلي لإله يُحب العالم وأرسلنا إليه، وليس لإله يريدنا أن نُصبح مجموعة يحب أعضاؤها أنفسهم ويكرهون الآخرين. نعم، يأتي الأطفال إلى أبيهم ويجلسون في حضنه، ويتكلمون بكل عفوية. لكن لاحظوا أن الأولاد لا يقولون كلامًا بلا معنى، فرغم محدودية تعبيرهم عن أنفسهم، إلا أنهم يعبرون عن حاجاتهم، لأنهم يعرفون أن أباهم يسمعهم، ويستطيع مساعدتهم. أُصلّي لكي نعود ونصبح كالأطفال في ثقتنا في الرب، وفي عفويتنا، ولكن ليس كأطفال 
"مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيم بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ. بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ" (أفسس 14:4-16). 

في خضم جائحة الكورونا التي عصفت بنا وأبعدتنا عن صلاتنا الجماعية، فإن صلاة بولس الرسول هذه في رسالة أفسس، هي صلاتي إلى الآب، من أجل الكنيسة الإنجيليّة في الأراضي المقدسة خصوصًا، ومن أجل كنيسة الرب في العالم. وهو قادر أن يستجيب لها، لأن له "المُلك والقوة والمجد إلى الأبد" آمين.

 

* قدم موقع "تعال وانظر" رعاية مشتركة مع كلية بيت لحم للكتاب المقدس وكلية الناصرة الانجيلية لكتاب جديد مميز  يحمل الاسم "نحو  ذهن متجدد" – مساهمات فكرية انجيلية في السياق الفلسطيني. يقع الكتاب في 420 صفحة وسنقوم تباعًا بنشر مقتطفات وأجزاء من المقالات التي فيه في الموقع هنا. طبعًا نشجع القراء الرجوع للكتاب وقراءة المقالات بأكملها بتمعن وليس الاعتماد على المقتطفات التي ننشرها هنا التي تعطي صورة جزئية للغاية.
يمكن الحصول على الكتاب من احدى الجهات الراعية.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع