• أهمية التعليم اللاهوتي لبناء الكنيسة - غريس الزغبي آرتين
أهمية التعليم اللاهوتي لبناء الكنيسة - غريس الزغبي آرتين

مقتطفات من مقال السيدة غريس الزغبي آرتين في كتاب "نحو ذهن متجدد"*.

رغم أن التعليم اللاهوتي في السياق العربي متفرّد في طبيعة نشأته بصورته الأصلية، وأعني هنا أنه غير مقتبس من الغرب، إلا أن التحديات التي تواجه التعليم اللاهوتي والكنيسة مشتركة في كل أنحاء العالم. ورغم التحديات التي تحكم سياقنا الشرق أوسطي، مثل الأقلية المسيحية، والعوامل الاجتماعية والثقافية، غير المحفّزين على التعليم اللاهوتي، يجب ألا ندع هذه التحديات أن تقف عائقًا أمام أي فرصة لتطوير التعليم اللاهوتي والخدمة الكنسية. لقد اجتهد الكثير من اللاهوتيين العرب في عرض السياق المحلي للمجتمع الغربي لكي يتعرّف عليه. وبينما نفكر في أهمية السياق للتعليم اللاهوتي لبناء الكنيسة، يجدر بنا أن ننظر إلى سياقات أخرى، حتى نجد فيها شركاء في الحوار. إذ يمكن أن نتعلم من السياق الأسيوي الإبداع في النشر، كما يتضح من زخم المنشورات الأكاديمية،  ونتعلم من السياق الإفريقي استخدام الإمكانيات المتاحة رغم التحديات ، ونتعلّم من السياق الغربي المهنية والابتكار

وعندما ننظر إلى سياقنا، يتبيّن لنا أن الكنيسة تعاني من تحديات تتعلق بهجرة المسيحيين العرب إلى الغرب، ولهذا يتطلّب من مؤسسة التعليم اللاهوتي، أن تشجع طلابها على معانقة دعوة الله في حياتهم (ارميا 1: 5، 1 بطرس 2: 9-10، 2 تيموثاوس 1: 9 (، وذلك لكي تتحقق النهضة المنتظرة في العقود القادمة في الكنيسة وفي التعليم اللاهوتي. ليست دعوة الله أمر نقلل من شأنه في أحاديثنا أو في خططنا أو في أولياتنا، بل إنها أمر نطلب من الله أن يوضحه للمتعلّمين في كل خطوة روحيًا وأكاديميًا.

 قد يقول البعض بأن التكرس للتعليم اللاهوتي في سياقنا المحلي، يأخذ الأشخاص بعيدًا عن أعمالهم. إلا أن إحدى البركات التي تتعلق بالتعليم اللاهوتي في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، هي أنها أصبحت متاحة للكل، وفي أي وقت بدون قيود، ولا سيما الآن مع برامج التعليم عن بعد. وقد يلجأ الكثيرون للالتحاق بالتعليم اللاهوتي بدوام جزئي، أثناء تأديتهم لوظائفهم الرئيسية، وهكذا لا يكون التعليم اللاهوتي عائقًا لهم، بل يساعد على النمو والتقدم في الجوانب المختلفة للشخصية. ولذلك، أصبح من الضروري أن يتوافق منهاج التعليم اللاهوتي مع احتياجات الكنيسة والمجتمع المتغيرة.

 لطالما تبنت بعض كليات اللاهوت منهاجًا واحدًا للتعليم اللاهوتي دون تقييم مستمر، ولكن التغيرات التي يشهدها العالم العربي، بزيادة عدد اللاجئين، وزيادة منصات التعليم الإلكترونية، يبدو أن حقل التعليم عن بعد أصبح بحاجة إلى المزيد من البحث العلمي، ولا سيما في طريقة تقديم اللاهوت العملي، من تلمذة وإرشاد للطلّاب الملتحقين على سبيل المثال لا الحصر.  وهكذا قد يساهم التعليم عن بعد، في خلق أنواع جديدة من التعاون والشراكات، بين كليات اللاهوت والكنيسة المحلية في سياقنا العربي.

يرى الباحث بيري شو (Perry Shaw) أنه إذا ما أرادت الكنيسة أن تؤثر على المجتمع المحيط بها لملكوت الله في كل مكان، فهناك حاجة لوجود قيادة لاهوتية. ولن تتحقق هذه القيادة من خلال فرض منهج غربي لعلوم اللاهوت الأكاديمية، ولكن من خلال تطوير منهجية وفكر تفكير جديد له صدى في السياق المحلي.  يجب علينا إذا نعلّم طلابنا كيف يعتمدون على التفكير وليس السرد فقط، حتى يعكسوا لاهوتًا صادقًا يحاكي واقع الحياة الذي يعيشونه. تأخذ اللاهوتية ميرتو ثيوخاروس (Myrto Theocharous) هذه الفكرة إلى سياق أبعد، فتقترح أن يأخذ التعليم اللاهوتي بُعدًا نبويًا. إذ تقترح أن "الأنبياء" (الطلاب) يجب أن يعكسوا واقع المجتمع والكنيسة في قيادتهم، وأن يطوروا قدرتهم على النقد الاجتماعي والديني. إذ إن دور التعليم اللاهوتي الإنجيليّ هو تشجيع أنبياء يمتلكون الصوت النبويّ ودعمهم وإعدادهم، فتكون لديهم رؤيا للمستقبل تختلف عن أقرانهم.

وهنا يستحضرني بيان المجلس الدَولي للتعليم اللاهوتي الإنجيليّ حول تَجديد التعليم اللاهوتي والإنجيليّ:

"ينبغي على برامج التعليم اللاهوتي أن تكون موجهة بكل ما فيها، بما يتماشى مع المجتمع المسيحي الذي تخدمه. فإننا نكون على خطأ عندما نقدّم برامجنا بما يتلاءم فقط مع بعض المفاهيم التقليدية أو الشخصية في التعليم اللاهوتي. فينبغي تحديد برامجنا بشكل واضح عند كل مستوى من التصميم والتنفيذ، بالانتباه الوثيق لاحتياجات وتوقعات المجتمع المسيحي الذي تخدمه. وينبغي لتحقيق هذه الغاية، أن نضع أنماطا متعددة من التفاعل المستمر ما بين البرنامج والكنيسة، على المستويين الرسمي والشعبي. وعلينا بالتالي تعديل البرنامج وتطويره بشكل دوري على ضوء هذه الاتصالات المتبادلة. وينبغي على برامجنا اللاهوتية أن تكون بشكل واضح من الكنيسة، وعبر الكنيسة وللكنيسة، وهذا أمر ينبغي أن نحققه بنعمة الله."

إذًا، يؤكد هذا الجزء من البيان على ضرورة مراجعة البرامج اللاهوتية وتحديثها بما يتلاءم مع احتياجات الكنيسة، ومن هذه الاحتياجات مشاركة المرأة في مجال عمل الكنيسة والتعليم اللاهوتي، مما يقودنا إلى الجزء الأخير من هذا المقال. وسوف يناقش هذا الجزء الأخير فجوة يشهدها التعليم اللاهوتي في الشرق الأوسط ألا وهي دور العنصر النسائي.

 السيدة غريس هي محاضرة في برنامج التعلم عن بعد في كلية بيت لحم للكتاب المقدس وتعد رسالة الدكتوراه في اللاهوت في كلية لندن للاهوت

*يمكن الحصول على الكتاب من احدى الجهات الراعية: كلية بيت لحم للكتاب المقدس او كلية الناصرة الانجيلية او موقع "تعال وانظر".

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع