• عقيدةُ الاختطافِ - بقلم القس د. حنا كتناشو
عقيدةُ الاختطافِ - بقلم القس د. حنا كتناشو

مقدمة

تحدَّثنا سابقاً عن مجيئين للمسيح في عقيدةِ الاختطافِ السِّري. تحدَّثنا عن مجيئِه الثَّاني أو مجيئِه السِّري من أجلِ القديسين واختطافهم ثمَّ مجيئه الثَّالث العلني معَ القديسين ليحكُم الأرضَ ألفَ سنةٍ. [1] ولقد ارتبطت هذه العقيدة بدور اليهود بين المجيئين الثاني والثالث حين يُبنى هيكل أورشليم ويأتي ضد المسيح وتتحقق نبوات العهد القديم المتعلقة باليهود وتنتشرُ الحروبُ باسم النَّبوات. للأسف يتمُّ كلُّ ذلك على حساب ظلم الفلسطينيين وسفك دماء اليهود وتشويش رؤية الكنيسة الجامعة. فبدون مبالغة تُفسرُ هذه المدرسة النَّصَ في زكريا 13: 8 بطريقةٍ حرفيةٍ مستقبليةٍ وتتوقع قتل ثلثي اليهود في العالم أو على الأقل ثلثي اليهود في دولة إسرائيل مما دفع البعض إلى تسمية هذا الفكر بالإسخاتولوجية المعادية للسامية (Eschatological Antisemitism). [2] ولقد رسمنا سابقاً المخطط الزمني للخارطة اللاهوتية التي يتبناها معتنقو ومعتنقات الاختطاف السّري وأظهرنا عدداً من النصوص التي يعتمدون عليها وجادلنا أن هذه النصوص لا تتحدث بتاتا عن اختطاف سري. [3]

أمَّا الآن فسنتحدث عن النصين الأساسيين الذين يتحدثان عن الاختطاف في الكتاب المقدس وهما: 1 كورنثوس 15: 50-58؛ 1 تسالونيكي 4: 13-18 وسنقدم ثلاث عبارات نفي مستوحاة من النصين. والعبارات هي: لا أريد، لا نسبق، لا يرث الفساد عدم الفساد. ستأُطر هذه العبارات نقاشنا عن الاختطاف في الكتاب المقدَّس.

 

1. لا أريد – 1 تسالونيكي 4: 13-18

ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ.

 

وصف أحد اللاهوتيين النَّص في تسالونيكي الأولى 4: 13-18 بأنه أحجية اسخاتولوجية. [4] فهو نصٌ يجمع بين قيامة المسيح وقيامة المؤمنين والاختطاف والمجيء الثاني. وربما نضيفُ أنَّ النص يجمع بين النفي والتأكيد. [5] فمن ناحية لا يريدنا رسول الأمم أن نجهل الأمور الأخروية ولا يريدنا أن نحزن كمن لا رجاء لهم. من الضروري أن نبني فهمَنا على المعرفة وليس الجهل. فلا نستطيع أن نحصر الحديث عن آخر الأيام بالتخمينات والتنبؤات التي لا تتم أو بحصر الحديث عن اليهود ودولة إسرائيل دون فحص النصوص الكتابية وخلفياتها التاريخية واللغوية والثقافية والسياسية والواقع السياسي والاجتماعي لكل سكان فلسطين التاريخية. وبحسب رغبة النص يجب أن تُنتج المعرفة الأخروية الرجاء وليس اليأس أو الحزن. فنحن لا نتحدث عن جهنم اسخاتولوجية مكتوب على مدخلها: أيها الداخلون اطرحوا عنكم كل رجاءٍ. [6] والرجاء المسيحي منبعه قيامة المسيح التي تقهر جميع أنواع الموت وتنتج ثقافة الحياة، ليس ثقافة الموت، وتنتج وحدة شعب الرب، وليس انقسامهم إلى فئات. فبولس اليهودي والأمميين في تسالونيكي فئة واحدة غير منقسمة في خطة الله. ويعلن النص أن المسيح مات وقام وأن الأموات في المسيح سيقومون ويأتون معه وسينضم المؤمنون الأحياء والأموات مع المسيح. وهكذا نرى أن المجيء الثاني لا يمكن أن نفصله عن القيامة إذ أن أحداثه والتفكير به يعتمد على قيامة المسيح. ولهذا لا حاجة للحزن كمن لا رجاء لهم فسنلتقي بجميع أتباع الرب ونكون معا فلنعزي بعضنا بعضاً بهذا الكلام (1 تسالونيكي 4: 18). ولنقل معاً: المسيح قام ولنقل حقا قام. فهذا هو منبع رجائنا لقيامة الأجساد وتحررها من الفساد.

 

2. لا نسبق (الأحداث المرتبطة بالاختطاف)

بعد الحديث عن تحاشي الجهل والحزن وتأكيد قيامة المسيح وقيامة الأموات في المسيح وانضمام المؤمنين الأحياء والأموات إلى موكب المسيح (1 تسالونيكي 4: 13-15)، يشرح لنا النص الأحداث المرتبطة بالمجيء في آيتين (1 تسالونيكي 4: 16-17). ويصاحب المجيء الثاني "كلمة الرب" (آ 15)، الهتاف (آ 16)، صوت رئيس ملائكة (آ 16)، وبوق الله (آ 16). وبهذا النداء يقوم الأموات كما قام لعازر من القبـر. [7] ويقومون بأجساد القيامة الممجدة كما قام المسيح. ولا أعرف ماذا سيحصل عندما يكون بعض هؤلاء المؤمنين في جنازاتهم! فكيف سيكون الأمر سريّا؟ كيف سيكون الأمر سريا عندما يقوم بعض الأموات في سيارات الإسعاف، وفي المستشفيات، والجنازات، وفي وقت الدفن، وبعده؟! حاولوا أن تتخيلوا ذلك معي إن استطعتم ذلك!!

وتُحدثنا الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي أن مجيئه سيكون من السماء مع ملائكة قوته (2 تسالونيكي 1: 7) وأن مجيئه سيكون علنيا وسيكون زمن عقاب الأشرار والزمن الذي يتمجد فيه في قديسيه (2 تسالونيكي 1: 7-10). ومن الواضح أن النص المدوَّن أعلاه هو نص تشجيعي وللتعزية المؤسسة على قيامة المسيح. فإن كان المسيح قد قام فإن الراقدين أو النائمين الذين آمنوا بالمسيح سيقومون بأجساد ممجدة. قيامته دليل على قيامة الأموات الذين يموتون في المسيح. فموت المسيحيين مثل النوم الذي يتبعه الاستيقاظ أي القيامة. طبعا، تنتقل أرواح المؤمنين إلى محضر الرب لحظة موتهم لكنهم لا يحصلون على أجساد ممجدة حتى زمن القيامة. وهكذا تصبح المقابر فنادق مؤقتة تنام فيها أجسادنا حتى يأتي زمن استيقاظها.[8]  أو ربما نقول هي مكان سكن مؤقت لأجساد الأموات. ولهذا لن يخسر الراقدون فداء الأجساد زمن مجيء المسيح بل سيختبرونه قبل المؤمنين الأحياء (1 تسالونيكي 4: 15). وهكذا علينا أن نؤكد أن النص يتحدث عن القيامة قبل الاختطاف.

الاختطاف هو السحب أو الشفط بقوة أو إلزام الناس بالتحرك. وهي كلمة ترتبط بالخطف والمختطفين وكلمة منتشرة في الأحداث السياسية. وللأسف من منظور الأحداث السياسية يصبح المسيح الخاطف والمسيحيين المخطوفين وكأن المسيح يعمل عملاً سيئا. طبعا هذا الأمر مناقض لقصد الكتاب المقدس من الاختطاف. ولا يتحدث النص هنا عن التحوّل في طبيعة المختطَفين فهذا أمر يختص به النص في كورنثوس الأولى اصحاح 15. أما هنا فالتركيز يقع على الشمولية في انضمام الأموات والأحياء لموكب المسيح. ونجد الشمولية في حرف "مع" الذي يتكرر ثلاث مرات (معه، معهم، مع الرب) ليؤكد أن الراقدين في المسيح سيكونون مع المسيح ومع المؤمنين الأحياء. ولكن أين سيكون موكب المسيح. فمن ناحية، سيصعد إليه الأحياء إلى السُحب إذا يقول النص: "نحن الأحياء الباقين سنُخطف معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء" (1 تسالونيكي 4: 17). من ناحية ثانية، يتحدث النص عن نزول الرب من السماء ووجودنا معه كل حين. فهل نزل من السماء وتوقف في الهواء أم أنه أكمل المشوار إلى الأرض؟ وأين سنكون معه كل حين؟ لنفهم هذا الأمر علينا أن ندرك بعض الخلفيات لا سيما تلك المتعلقة بفكرة "ملاقاة الرب". [9] فملاقاة الشخصيات المهمة تختلف عن لقائها أو الذهاب إليها. وعلينا أن نفهم فكرة ملاقاة الملوك والقادة أو العريس في ضوء الخلفيات في القرن الأول. ونرى قسما من هذه الخلفيات في قصة العذارى الحكيمات والجاهلات اللواتي خرجن للقاء أو ملاقاة العريس ومرافقته إلى مكان العُرس، وهكذا عادت الحكيمات مع العريس إلى مكان العُرس وأُغلق الباب (متى 25: 1-13).

من الضروري أن نتذكر ما ساهم به الباحث توم رايت عندما قال: عندما يزور الإمبراطور مستعمرة أو مقاطعة في إمبراطوريته فإن مواطني البلد يخرجون خارج البلد لاستقباله ومن ثم يسيرون مع موكبه الملوكي إلى داخل البلد. [10] ويدخلون من خلال قوس النصر الذي بنوه محتفلين بالانتصار الذي جاء به الجنود وكأنهم جزء من هذا الانتصار. هذه هي الصورة التي يستخدمها الرسول بولس للتعبير عن مجيء المسيح. وكأننا نذهب إلى المطار لاستقبال شخصية مهمة ثمَّ نسير بالطرقات المزينة حتى يصل الموكب إلى مكان الاحتفال. ومن الواضح أن الصورة الكتابية لا تشمل فترة زمنية مدتها سنوات بين خروج الشعب للقاء الجيش المنتصر ودخولهم إلى البلد. ومن الواضح أيضا أن الصورة نفسها صورة مرئية ومسموعة وهي علنية وليست سرية إذ يخرج كل مواطني البلد لاستقبال الرئيس أو الملك أو قائد الجنود العائد منتصرا ويشاركونه انتصاره. فمن الواضح في النص أن مجيء الرب سيكون بهتاف، بصوت رئيس ملائكة، وبصوت بوق الله. أضف إلى ذلك، إن مفردات النص قد ترتبط بمدلولات مجازية، فالغيوم في نصوص كتابية كثيرة دلت على حضور الله والهواء كان في مفهوم الناس مكان سيطرة رئيس الهواء أي الشيطان (أف 2: 2). وفي هذا المشهد، سلطان رئيس الهواء غائب.

 

3. لا يرث الفساد عدم الفساد (كورنثوس الأولى 15: 51-58)

فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ. هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ.  لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ.  وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ.

 

يتحدث النَّص في كورنثوس الأولى الاصحاح 15 عن القيامة، فبعد أن يشرحَ الرَّسولُ بولسُ حقيقةَ قيامة المسيح (آ 1-11) وقيامة الأموات (آ 12-35) يتعامل مع طبيعة جسد القيامة (آ 35-49) ثمَّ يكشف لنا الاستنتاجات (آ 50-58). ومن المرجّح أنَّ قيامة الأجساد جزءٌ من عالم القيامة الذي لا نجد فيه الفساد ولا الموت ولا الخطية (1 كورنثوس 15: 53-56). ومن الواضح أن عصر القيامة لا يرتبط بقيامة البشر فحسب بل أيضا "بالنهاية" (آ 24) وبإبطال كل رياسة وكل سلطان وكل قوة (آ 24) ووضع جميع الأعداء تحت قدمي المسيح (آ 25) وخضوع كل شيء (آ 26) وحتى خضوع الابن للذي أخضع له الكل لكي يكون الله الكل في الكل (آ 28). ومن المرجّح أن الحديث عن القيامة يشمل الحديث عن الواقع النهائي أي مجيء سماء جديدة وأرض جديدة (رؤيا 21-22) [11] ومجيء المسيح العلني يشمل تحوّل كل الخليقة كما يقول الرسول بولس: فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معا إلى الآن وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضا نئن في أنفسنا متوقعين فداء أجسادنا (رومية 8: 22-23). ففداء الأجساد مرتبط بفداء الخليقة.

ولا يتحدث النَّص عن القيامة بصورة مجازية أو روحية بل يتحدث عنها بصورة حرفية وجسدية متوقعا قيامة الأجساد حرفياً. [12]  فنحن لا نتحدث عن نهضة روحية نَصِفُها كأنها قيامة بل نتحدث عن عصر القيامة، قيامة الأموات من قبورهم بأجساد ممجدة. ولا شكَّ أن المؤمنين والمؤمنات الأحياء سيختبرون نفس التغيير الذي اختبره الذين رقدوا في المسيح فتصبح أجسادهم بدون فساد وبدون موت. [13]

سيختبر الأحياء تغير الأجساد مثلهم مثل الذين رقدوا في المسيح. ويستخدم النص كلمة "نحن" للدلالة على الأحياء. اعتقد البعض أن كلمة نحن تشمل الرسول بولس ولهذا اقترحوا أن القيامة والتغيّر المقصود حصل في القرن الأول، ربما سنة 70 ميلاديا. رغم استخدام الرسول بولس كلمة "نحن" إلا أنه من الممكن أن تعني الكلمة الناس الأحياء زمن المجيء أو عند البوق الأخير وليس بالضرورة الناس الأحياء زمن صياغة الكلمات. فزمن البوق الأخير هو زمن قيامة الأموات وتغيّر الأحياء. ويعلمنا النص أن الأموات الأبرار سيقومون بدون فساد وأن المؤمنين والمؤمنات الأحياء سيتغيرون ويحصلون على أجساد ممجدة بدون فساد وعلى أجساد لا تموت. وهذا التعليم مختلف عن الثقافة اليونانية السائدة التي لم تؤمن بقيامة الأموات بأجساد ممجدة وهو تعليم متوافق مع الثقافة اليهودية في القرن الأول التي توقعت قيامة الأجساد ضمن تجديد العالم. [14] ويصف الرسول قيامة الذين رقدوا في المسيح وتغير المؤمنين الأحياء بأنه يعبّر عن هزيمة الموت والهاوية والزمن الذي ندرك فيه أن تعبنا ليس باطلا في الرب. إنه عصر القيامة وعصر حياة القيامة بالجسد الممجد. وهو جسد يشبه جسد المسيح الممجد، له لحم وعظام (لوقا 24: 39)، يمشي ويتحاور (لوقا 24: 15-16)، يأكل (لوقا 24: 42)، مرئي ومحسوس وملموس (يوحنا 20: 17، 27). [15]

يُظهر السياق أن القيامة المذكورة ترتبط بمجيء المسيح (1 كورنثوس 15: 23) وبعد مجيئه ستكون النهاية إذ يملك على الكل ويخضع الكل وآخر عدوٍ يُبطل هو الموت (1 كورنثوس 15: 26). ويضيف الرسول في نفس الاصحاح أن زمن تغير الأجساد وقيامة الذين رقدوا في المسيح هو نفس الزمن الذي تُكسر فيه شوكة الموت ويُقهر الموت. فمن الواضح أن الرسول يربط هذا الزمن بالنهاية بحسب تصريحه في بداية الاصحاح. ومن هذا المنظور، لا يوجد أي تبرير في النص لربطه باختطاف سري أو بحكم ألفي. فمن الواضح أن قيامة الراقدين في المسيح وتغير الأجساد مرتبطة بالنهاية وبخضوع كل شيء للمسيح وخضوع الكل للآب. والواضح في النص أن الاختطاف يرتبط بتغير الأجساد وحصول البشر على أجساد ممجدة. وهذا الحدث مرتبط بشكل وثيق بهزيمة الموت وبميراث ملكوت الله عديم الفساد، ليس بحكم وقتي قبل انتشار الموت والفساد عن طريق جوج وما جوج. إذا تركيز هذا النص هو الحصول على الأجساد الممجدة في مجيء المسيح زمن هزيمة الموت وانتهاء كل شيء.

 

ملاحظات ختامية

في ضوء دراستنا علينا أن نؤكد أهمية العبارات: لا أريد، لا نسبق، ولا يرث الفساد عدم الفساد. ونؤكد أن الكتاب المقدس يتحدث عن اختطاف المؤمنين لكنه ليس اختطافا سرياً. ويربط الكتاب المقدس الاختطاف بالقيامة وانهزام الموت والنهاية. ولا يوجد تبرير لحروب أخرى بعد الاختطاف العلني. ومن هذا المنظور نؤكد سبعة أمور.

أولا، الاختطاف السري عقيدة ضعيفة كتابيا تبني أفكارها على مخطط لاهوتي مفترض وغير مؤيَّد من النصوص الكتابية التي يستند عليها أصحاب مدرسة الاختطاف السري. ويجب علينا كمسيحيين ألا نقع في فخ الانشغال فيما لم يشاركه الله تاركين الانشغال فيما شاركه.

ثانيا، عقيدة الاختطاف السري عقيدة ضعيفة اسكاتولوجيا تعرض خططا مستقبلية حرفية دون اعتبار مركزية المسيح ومجيئه الأول كحدث اسخاتولوجي مركزي. وتتعارض عقيدة الاختطاف السري مع انتهاء عصر الذبائح فتروج إعادة بناء الهيكل دون تبرير كافٍ. فهل سنرجع إلى عصر الذبائح؟ وماذا عن طبيعة البشر الأحياء زمن الحكم الألفي، هل سيعيش أصحاب الأجساد الممجدة مع أصحاب الأجساد المائتة؟ وهل سيتواجد الفساد مع عدم الفساد؟ وهل سيختبر أتباع المسيح وجود الشر بعد قيامتهم من الموت ويرون حرب جوج وماجوج؟

ثالثا، عقيدة الاختطاف السري عقيدة ضعيفة أخلاقيا إذ تجعل الله يحابي مع شعب ضد آخر وتبرر الحروب والقتل باسم النبوات مما يتعارض مع أخلاقيات الملكوت المتجذرة في المساواة والرحمة والعدل والمحبة.

رابعا، عقيدة الاختطاف السري تزيل الأنظار عن مركزية المسيح وخلاصه وتحوّل الأنظار إلى إسرائيل وضد المسيح وأمور غريبة. المسيح هو مركز العهدين القديم والجديد وهو مركز التاريخ، الماضي، والحاضر، والمستقبل. وبدون مركزية المسيح سنضل الطريق. فعقيدة الاختطاف السري عقيدة ضعيفة كريستولوجيا لأنها تنظر إلى النبوات بعدسة لا ترى الحدث الكريستولوجي في مركزها.

خامسا، عقيدة الاختطاف السري عقيدة ضعيفة إرساليا لأنها تضعف عزم المرسلين على تبشير اليهود باسم النبوات والحروب. وتضعف وحدة الكنيسة ومحبة المؤمنين العرب واليهود والأجانب كجسد واحد لأنها تحابي داعمة فكرا سياسيا بدلا من ملكوت الله. فمحبة الكنيسة بين الشعوب المتعادية شهادة قوية يعرف من خلالها العالم أننا تلاميذ المسيح.

سادسا، عقيدة الاختطاف السري عقيدة ضعيفة إكليزيولوجيا إذ تقسم الكنيسة إثنيا بين اليهود والأمم وتحوّل خطة الله عند اليهود المسيحيين إلى خطة منفصلة عن خطته للمسيحيين الفلسطينيين وباقي المسيحيين. وهي عقيدة تقسم جسد المسيح إلى جسدين.

سابعا، عقيدة الاختطاف السري عقيدة ضعيفة سوتوريولوجيا أو خلاصيا لأنها لا تقدم الخلاص للجميع بنفس الطريقة وبنفس التوقيت بل تضع مخططات مختلفة لليهود تميزها عن خطة خلاص الله لباقي الشعوب. ولقد قاد التشديد على تمييز خطة الله لليهود عن الأمم إلى استنتاجات لا تتفق مع تعاليم الكتاب المقدس المتعلقة بالخلاص.

بإيجاز، في ضوء ما سبق، لا أرى مبررا كتابيا يدفعنا إلى اعتناق عقيدة الاختطاف السري أو المجيء السري. فالنصوص المزعومة لا تتحدث عن اختطاف أو مجيءٍ سري. أضف إلى ذلك، النصوص المركزية التي تتحدث عن الاختطاف تُظهر ارتباطه بشكل كبير مع أحداث النهاية وليس مع مرحلة وسطية أو انتقالية. فالقيامة والاختطاف توأمان والمجيء مرئي ومحسوس ومسموع. وفي مجيئه سنختبر مكافئة الأبرار وتحرر الأجساد من الفساد ومعاقبة الأشرار. آمين، يا رب تعال، مارانا تا. [16]

 

[1] حنا كتناشو، "هل يوجد اختطاف سري في الكتاب المقدس؟،" كوم أند سي (28 نيسان 2025): انترنت. https://www.comeandsee.com/ar/post/3027868. تم زيارة الموقع في 19 أيار 2025.

[2] يعتقد البعض أن ثلثي اليهود سيقتلون بناء على تفسيرهم لزكريا 13: 7-9. للمزيد من المعلومات راجع،

Michael Stead, Zechariah: The Lord Returns (Sydney: Aquila Press, 2015), 199. See also Gary Demar, Last Day Madness (Powder Springs: 1999), 409.

[3] كتناشو، "هل يوجد اختطاف سري في الكتاب المقدس؟"

[4] Paul Ellingworth, Paul, “Up or down, Which Way Will We Go?: Looking Again at I Thessalonians 4.13-18,” The Bible Translator 64 (2013): 227–31. See especially page 227.

[5] John Stott, The Message of Thessalonians: The Gospel & the End of Time (The Bible Speaks Today; Downers Grove: InterVarsity Press, 1994), 93–94.

[6] Dante Alighieri, The Divine Comedy of Dante Alighieri, trans. Henry Francis Cary (Whitefish: Kessinger, 2004), 13. For an electronic version of Dante’s divine Comedy visit https://www.gutenberg.org/cache/epub/1008/pg1008-images.html. Accessed May 19, 2025.

[7] Stott, 102.

[8] F. F. Bruce, 1 and 2 Thessalonians )Word Biblical Commentary 45; Dallas: Word, Incorporated, 1982), 96.

[9] On page 104 in The Message of Thessalonians, Stott informs us that the “truth that the redeemed will meet the Lord is expressed by another technical term (apantēsis). ‘When a dignitary paid an official visit (parousia) to a city in Hellenistic times, the action of the leading citizens in going out to meet him and escort him back on the final stage of his journey was called the apantēsis.’” The text uses technical labels to denote the coming of Christ the King and to point to a special kind of meeting.

[10] N. T. Wright, Surprised by Hope (New York: HarperOne, 2007), 145; N.T. Wright, The Resurrection of the Son of God (Minneapolis: Fortress, 2003), 217-218.

[11] Keith Starkenburg, “What Is Good for Christ Is Good for the Cosmos: Affirming the Resurrection of Creation,” A Journal of Catholic and Evangelical Theology 30 (2021): 71-97. The essay argues that the language of resurrection can be used for the cosmos. It argues that the resurrection of Christ is connected to the resurrection of the cosmos.

[12] K. Harriman, “Expectations and the Interpretation of Resurrection as ‘Bodily’,” Journal of the Evangelical Theological Society 65 (2022): 753-771.

[13] or a detailed discussion related to transformation see John Gilman, “Transformation in 1 Cor 15:50-53,” Ephemerides Theologicae Lovanienses 4 (1982): 309-333.

[14] athaniel Cantu, The Undiscovered Country: An Analysis of the Resurrection in 1 Corinthians 15:35-58,” Journal of Spiritual Formation and Soul Care 12 (2019): 246-259; see especially pages 247-248.

[15] للمزيد من المعلومات راجع حنا كتناشو، أنا هو فمن أنت؟ (القدس: 2008)، 113-118.

[16] الكلمة الآرامية كُتبت في 1 كورنثوس 16: 22 بأحرف يونانية (θα μαρανα) وهي مصطلح مسيحي آرامي (מָרַנָא תָא) معنا: يا ربنا تعال.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع