• الحياة المسيحيّة الصحيحة - بقلم: نبيل دكور
الحياة المسيحيّة الصحيحة - بقلم:  نبيل دكور

مقدّمة

 

لا يستطيع المؤمن المسيحي أن يعيش "الحياة المسيحية الصحيحة" بواسطة قدراته البشرية الطبيعية وبمهاراته وجهوده الذاتية فأنّ مقاييس ومتطلّبات وتعليمات "الحياة المسيحية الصحيحة"، كما هيَ مُعلنة بالكتاب المقدس، في منتهى الصعوبة لا بل مستحيلة من ناحية بشرية. إذْ كيف للمؤمن أن يحيا ويُطبِّق تعليمات المسيح في الموعظة على الجبل أو وصايا أخرى في الأناجيل والرسائل، كهذه:

 

"كُونُوا كامِلِينَ كَما أنَّ أباكُمُ السَّماوِيَّ كامِلٌ" (متى 5: 48)

"إنْ لَطَمَكَ أحَدٌ عَلَى خَدِّكَ الأيمَنِ، فَقَدِّمْ لَهُ الخَدَّ الآخَرَ أيضاً" (متى 5: 38)

"أحِبّوا أعداءَكُمْ، وَصَلُّوا مِنْ أجلِ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ، بارِكُوا لاعِنيِكُم"(متى 5: 44)

"يُعَيِّرُنا النّاسُ فَنُبارِكُهُمْ، يسيئون إلَينا نحْتمِلُهُمْ، وَيَذِمُّونَنا فَنُجاوِبُهُمْ بِلُطفٍ"(1كو4: 12)

"عَلَى مَنْ يَأْتِي إلَيَّ أنْ يُحِبَّنِي أكثَرَ مِمّا يُحِبُّ أباهُ وَأُمَّهُ وَزَوجَتُهُ وَأبناءَهُ وَإخوَتَهُ وَأخَواتِهِ وَحَتَّى حَياتَهِ"(لو14: 26)

"كُلُّ واَحِدٌ مِنْكُمْ لَا يَتْرُك جَمِيعَ أمْوالَهُ لَا يَقْدِر أنْ يَكُونَ ليَ تِلْميذاً (لو14: 33)

"افْرَحوا فِي كُلِّ حِينٍ، صَلُّوا عَلَى الدّوام واشكُروا اللهَ كُلَّ حينٍ" (1 تس 5: 16)

 

"الحياة المسيحية" هي الغرض الذي أتى المسيح من أجله إلى الأرض

 

إنُ "الحياة المسيحية الصحيحة" هي "حياة المسيح" وهي نوعيّة حياة تفوق الطبيعي، لا يستطيع الانسان الطبيعي تطبيق شروطها وتعليماتها إذ مكتوب: "الإنْسان الطّبيِعيّ لا يَقبَلُ الحَقائِقَ الَّتِي يُعلِنُها رُوحُ اللهِ"(1كور2: 14). فقط إبن الله الأنسان يسوع المسيح وحده هو الذي استطاع ويستطيع ان يعيشها لأنّ "غَيْرُ الْمُستَطاعِ عِندَ النّاسِ مُستَطاعٌ عِندَ اللهِ" (لو27:18).

 

لهذا ولِكَيْ نستطيع نحن البشر أن نحيا "الحياة المسيحية الصحيحة" أي "حياة المسيح"، قام الله بدافع غيرته ومن فرط محبته للبشر بإرسال إبنه يسوع المسيح الى الأرض كَيْ نحيا بهِ تلك الحياة المسيحية المنشودة لأنه مكتوب:"هَكَذا أظهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنا: أرسَلَ ابنَهُ الوَحِيدَ إلَى العالَمِ، حَتَّى نَستَطِيعَ أنْ نَحيا بِهِ"(1يو4: 9) ومن يؤمن بأبن الله فمستطاع له ان يحيا تلك الحياة لأنه مكتوب: "كلُّ شَيءٍ مُستَطاعٌ لِمَنْ يُؤمِن"(مر9: 23).

 

ربّنا يسوع المسيح نفسه أيضا شَهِد أن الغرض الأساسي الذي جاء من أجله الى هذا العالم قبل 2000 عام، هو ليعطي الناس حياته هُوَ فتكون لنا حياته لنحيا بها ويكون لنا هنا والآن في الأرض حياة سامية فيّاضة : "أنا قَدْ جِئْتُ لِكَيْ تَكُونَ لِلنّاسِ حَياةٌ، وَتَكُونَ لَهُمْ هَذِهِ الحَياةُ بِكُلِّ فَيْضِها (يوحنا 10:19)" ومكتوب ايضاً أن كلّ "مّنْ لَهُ الأبْن فلَهُ الْحَياة"(1يو5: 11).

"الحياة المسيحية" هي إستعلان حياة المسيح فينا فنصير مشابهين صورتهُ

 

بحسب تعريف رجل الله الدكتور ماهر صموئيل إنّ "المسيحي هو من ينحدر من المسيح" أي ينتمي للمسيح وليس للديانة لمسيحية. مَن ينحدر من آدم (الانسان الأول) هو "آدمِيّ" ومن ينحدر من المسيح (الانسان الثاني) هو "مسيحيّ". فالجوهر الحقيقي الصحيح لحياة المسيحي هو ظهور حياة المسيح نفسه في شخص بشري.

 

المسيحية هي حياة المسيح متجسدة فينا، ومن خلالنا كمؤمنون، يُعلن ويُظهِر المسيح حياتَه فينا إلى ان يتصوّر فينا:"إلَى أنْ يَتَصوَّر المَسِيحُ فيكم" (غل4: 19).  فغرض الله وقصدهُ هو ان نكون مشابهين صورة إبنه لأنّنا نحن "الذين اختارَهُمُ اللهُ مُسبَقاً، وَقَدَّسَهُمْ لَهُ مُسبَقا، لِيَكُونُوا مُشَابِهينَ صُورَةِ ابنِهِ، وَذَلِكَ لِيَكُونَ ابنُهُ بِكْراً بَينَ إخْوَةٍ كَثِيرِينَ" (رو8: 29).

 

"الحياة المسيحية" هي إختبار وليست تديُّن/دين

 

الحياة المسيحية هي حياة الله الحيّة النابضة في الانسان، هي إِلوهيّة عاملة وحيّة في المؤمن وبهِ ومن خلاله، فالحياة في الأصل هي الله الآب: "فِي البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ ، وَكانَ الكَلِمَةُ مَعَ اللهِ، وَكانَ الكَلِمَةُ هُوَ اللهَ... فِيْهِ كانَتِ الحَياةُ" (يو1:1)، ظهرت وحلّت هذه الحياة بين الناس في المسيح الأبن "وَصارَ الكَلِمَةُ إنساناً، وَظهَر وعاشَ بَيْنَنا" (يو1: 14) وكالروح تدخل الحياة في الأنسان كي يختبرها الأنسان وهكذا يغدو الروح روح حياة الله فينا: "رُوح الحَياة فِي المْسيحِ يَسوع"(رو8: 3).

 

الروح القدس يعمل فينا ويقودنا كأبناء الله لأن "الَّذِينَ يَتبَعُونَ قِيادَةَ رُوحِ اللهِ هُمْ أبناءُ اللهِ"(رو8: 14) وذلك كَيْ نختبر المسيح الساكن فينا ونختبر كل ملء الله في المسيح: "يَسكُنَ المَسِيحُ فِي قُلُوبِكُمْ بِالإيمانِ كَي تَمتَلِئُوا بِاللهِ فِي كُلِّ مِلئِهِ"(اف3: 17،19). هذا هو "اختبار الحياة المسيحية" وكل ما عدا ذلك هو تديّن او دين.

 

"حياة المسيح" تحل محل "حياة الذات"

 

الله لم يكتفِ بأن يكون معنا او يعيش بيننا في هياكل مصنوعة من الحجر "لأنَّ العَلِيَّ لا يَسكُنُ فِي هَياكِلَ تُصْنَع بِالأيدِي"(اع7: 48) بل آثر ان يتّخذ مسكنه في رحاب قلوبنا: "ألا تَعلَمُونَ أنَّكُمْ هَيكَلُ اللهِ، وَأنَّ رُوحَ اللهِ ساكِنٌ فِيكُمْ"(1كو3: 16).

هذا هو جمال ومجد المسيحية، انها حياة الله التي يعيشها من خلالنا. قد يظن البعض ان "الحياة المسيحية" هي حياة تغيّرت او حياة تم تحسينها او حياة ذات اخلاقيات سامية، لكنّها في الحقيقة هي حياة "مستبدلة"، هي حياة بدلاً من حياة، والمسيح هو البديل الذي يحيا فينا ولهذا الغرض جاء يسوع المسيح ليكون هو نفسه حياتنا: "المَسيحُ حَياتُنا"(كو3: 4). فالمسيح قال عن نفسه انه هو ليس الحياة فحسب بل هو أيضاً القيامة "أنَا هُوَ القِيامَةُ وَالْحَيَاةُ"( يو11: 25).

 

جاء المسيح ليسكن ويحيا فينا بداخلنا بحياته الألهية ويصبح لنا المسيح نفسه حياتنا: "لنا الحَياة هِيَ المَسيح"(في 1: 21)، إذ تمَّ صَلْب انساننا العتيق وأُبْطِلَت حياة الذات العتيقة الفاسدة (أي حياتنا نحن) لأنّ "ذاتَنا العَتِيقَةَ قَدْ صُلِبَتْ مَعَ المَسِيحِ"(رو6: 6). لقد تمّ صلبي وموتي مع المسيح وأصبحت مخلوق جديد في المسيح: "إنْ كانَ أحَدٌ فِي المَسِيحِ، فَهُوَ الآنَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَة"(2كو5: 17) ولا أعود حيا بعد بحياة نفسي (حياتي الذاتية) بل المسيح نفسه (لا أنا) هو الذي يحيا فِيَّ لأنّه مكتوب: "أحْيَا، لا أنَا، بَلِ المَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَالحَياةُ الَّتِي أعِيشُها الآنَ فِي جِسْمي هَذا، أعِيشُها بِالإيمانِ بابْنِ اللهِ الَّذِي أحَبَّنِي وَقَدَّمَ نَفسَهُ بَدَلاً مِنِّي" (غل2: 20).

 

من يتوب ويقبل المسيح رباً وسيداً على حياته يتم استبدال حياة الذات البشرية الفاسدة والشريرة التي حصل عليها بالميلاد البشري من والديه بحياة جديدة هي حياة المسيح نفسه لأنّ من يقبل المسيح يولد من الله ويصبح ابناً لله، إذ مكتوب "الَّذِيْنَ قَبِلُوهُ، أيِ الَّذِيْنَ آمَنُوا بِاسْمِهِ، فَقَدْ أعطاهُمُ الحَقَّ فِي أنْ يَصِيْرُوا أولادَ الله فَهُمْ قَدْ وُلِدُوا مِنَ اللهِ، خِلافاً لِلوِلادَةِ الطَّبِيْعِيَّةِ مِنْ دَمٍ وَلَحْمٍ وَمِنْ إرادَةِ رَجُلٍ" (يو 12: 1).

المسيح نفسه قال وشدّد انه لا بد من الولادة مرة ثانية جديدة (ولادة من الروح لا من الجسد): "لَنْ يَرَى أحَدٌ مَلَكُوتَ اللهِ ما لَمْ يُولَدْ ثانِيَةً...يَنبَغِي أنْ يُولَدَ الإنسانُ مِنَ الماءِ وَالرُّوحِ، وَإلّا فَلَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ فَما يُولَدُ مِنَ البَشَرِ هُوَ بَشَرِيٌّ، وَما يُولَدُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحِيٌّ" (يوحنا 3: 5).

 

سيادة المسيح المطلقة على جسدنا وذهننا واحاسيسنا

 

عندما يمنحنا المسيح حياته، يحيا حياته فينا وبواسطتنا لا بل تصبح اجسادنا البشرية مسكناً للروح القدس "ألا تعلمون أن أَجسادُكُم هَياكِلُ لِلرُّوحِ القُدُسِ السّاكِنِ فِيكُمْ، وَالَّذِي قَبِلتُمُوهُ مِنَ اللهِ" (1كو6: 19) والكتاب يتابع ويحذّرنا اننا لسنا بعد مِلْك أنفسنا لأن الله اشترانا وأصبحنا مِلْكاً له: "ألا تَعلَمُونَ أنَّكُمْ لا تَخُصُّونَ أنفُسَكُمْ؟  فَقَدِ اشتَراكُمُ اللهُ بِثَمَنٍ" ولذلك يطالبنا الكتاب ان نُمجِّد الله بأجسادنا وبأرواحنا "فَمَجِّدُوا اللهَ باستِخدامِ أجسادِكُمْ" (عدد 20).

 

المؤمن له ذهن المسيح إذ مكتوب "لأنه لنا فِكرُ المَسِيحِ" (1 كو2: 16) وأعضاء جسد المؤمن هي أعضاء المسيح:"أجسادُنا هِيَ أعضاءُ المَسِيحِ" (1كو 6: 15). لذلك من يتوب ويعتمد بأسم يسوع المسيح ويقبل المسيح مخلصاً ويُسلم حياتهُ الذاتية للمسيح فالمسيح يأتي ويسود ويسيطر على عرش حياتهِ، يمنح المسيح حياته لهذا المسيحي ويحياها بواسطته ومن خلاله، المسيح يشعر ويحس من خلال احاسيس وعاطفة هذا المسيحي ويتحدث بصوته ويفكر بعقله مع أن هذا لا الشخص قد لا يكون واعيا لذلك. إن "الحياة المسيحية الصحيحة" ليست محاولة المسيحي تقليد المسيح وليست ما نفعله نحن للمسيح انما هي ما يفعله المسيح لأجلنا بواسطتنا.

 

المسيح نفسه صار هو حكمتنا وبِرّنا وقداستنا وفداؤنا

 

كل هذا من الله وبفضل نعمة الله الذي برحمته نقلنا من آدم وجعلنا "في المسيح". الله قطعنا من شجرة آدم وطَعّمَنا في المسيح وبالأتّحاد بالمسيح صار المسيح نفسه هو حكمتنا وبرّنا وقداستنا وفداؤنا لأنه مكتوب "مِنَ الله أنْتُم فِي الْمَسيحِ يَسُوعَ، الَّذِي صارَ لَنا مِنَ اللهِ حِكمَةً وَبِرّاً وَقَداسَةً وَفِداءً"(1كو1: 30).

هذا العمل العظيم والمجيد الذي قام به الله يعني ان المسيح يسوع ليس فقط يعطينا حكمة ويُبررنا ويُقدّسنا ويفدينا بل بالحري المسيح الذي فينا هو نفسه بشخصه صار حكمتنا وبرنا وقداستنا وفداءَنا وهو الذي يَفِي ويعمل كل ما يطلبه الله منا من "حكمة وبِرّ وقداسة وفداء". 

فليست حكمتنا البشرية الطبيعية الذاتية هي التي تقودنا بل حكمة المسيح، ويصير برُّنا وصلاحنا (على كل ما يشمله البِرّ من فرح وسلام) ليس مجرد أعمال نقوم نحن بها بل صار الرّب يسوع نفسه برنا وصلاحنا، وتصبح قداستنا ليس مجرد سلوكيات نقوم بها بل صار شخص المسيح نفسه قداستنا (على كل ما تشمله القداسة من فضائل) وليس فداؤنا مجرد عقيدة بل صار المسيح شخصياً فداؤنا (جسدياً ونفسياً).

 

سِرّ النّموْ والنضوح في "الحياة المسيحية الصحيحة"

 

اذاً، المسيح الذي يحيا فينا هو الذي يَفِي بكل المتطلبات الإلهية لأن "كُلُّ كُنُوزِ الحِكْمَةِ وَالمَعرِفَةِ مَخزُونَةٌ فِي المَسِيحِ" (كو2: 3) وفي المسيح تكمن الإستجابه لكل إحتياجاتنا مهما كانت كَيْ نحيا حياة مسيحية مجيدة: "لأنَه مَهْما كَانَتْ مَواعِيدُ الله فأنَّ فِي المَسيحِ "النّعَمْ" وفيِهِ "الآمِينْ" لمَجْد الله بِواسِطتِنا"(2كو1: 20).

في كل مرة عند ظهور إحتياج او نقص فينا سيقودنا هذا من جديد وتلقائياً لنثق بالمسيح فينا ونستند عليه ان يُظهِر حياته فينا لكي يسد تلك الحاجة او النقص المعين،  كلما يزداد الأحتياج يزداد استعلان المسيح فينا. اذاً سِرّ النّمو في الحياة المسيحية الصحيحة يكمن في ادراك الحق الالهي ان "المسيح حياتنا".

 

التطبيق العملي

 

مكتوب: "يَسُدُّ إلَهِي كُلَّ احتِياجاتِكُمْ حَسَبَ غِناهُ المَجِيدِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ"(في4: 19)، عندما نحتاج مثلاً أن نحب الأعداء، الشيء الذي لا نقدر بعاطفتنا البشرية الطبيعية أن نفعله، نلتجِئُ للمسيح فينا ونُصلّي ونطلب معونتة، فالمسيح الحيّ فينا يُظهر محبته من خلال عاطفتي وهو الذي يحب من خلالي، فعندها أستطيع ان أُحب الآخر أياً كان حتى الأعداء ليس بحسب عاطفتي البشرية بل بالمسيح الحنون المُحِبّ: "المسيح الّذي أحَبّني وَأسْلَم نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي"(غل2: 20). عندما أشعر بالاضطراب او الخوف او القلق ألتجئُ الى المسيح الذي فِيَّ ليخلصني وينقذني لأنه مكتوب "يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبُ. فِي وَقتِ الضِّيقِ أكُونُ مَعَهُ. أُنقِذُهُ وَأُكَرِّمُه"(مز91: 15). المسيح هو سلامنا فأشعر بسلام المسيح رغم أي اضطراب وخوف لأنه ليس هذا سلامنا البشري بل سلام المسيح نفسه الذي اعطاني إياه: "أتْرُكُ لَكُمْ سَلاماً. أُعطِيْكُمْ سَلامِي أنا. لا أُعطِيْكُمْ سَلاماً كَالَّذِي يُعطِيْهِ العالَمُ. فَلا تَضطَرِبْ قُلُوبُكُمْ أوْ تَجبُنْ"(يو14" 27) أنه سلام المسيح نفسه (لا سلامنا نحن) الذي يفوق كل عقل الذي يسود على احاسيسي ويحفظ أفكاري وقد أمرنا الرسول بولس وقال:"لا تَقلَقُوا، بَلْ فِي كُلِّ ظَرفٍ، أعلِنُوا للهِ طِلباتِكُمْ، بِالصَّلاةِ وَالتَّضَرُّعِ مَعَ الشُّكرِ فَسَلامُ اللهِ الَّذي يَفوقُ كُلَّ عَقلٍ، سَيَحفَظُ قُلُوبَكُمْ وَعُقُولَكُمْ فِي يَسُوعَ المَسِيحِ"(في4: 6-7).

عند احتياجنا إلى الراحة النفسية او الصبر وطول الأناة او التواضع نطلب معونة المسيح الذي فينا، نأتي أليه ونستد عليه فنجد راحة ويظهر فينا صبر وطول أناة المسيح فنقدر ان نصبر رغم الضيقات والتحديات لأن المسيح قال: "تَعالُوا إلَيَّ أيُّها المُتعَبِينَ وَيا مَنْ تَحمِلُونَ أحمالاً ثَقِيلَةً، وَأنا سَأُعطِيكُمُ الرّاحَةَ. احمِلُوا نِيرِي عَلَيكُمْ، وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لِأنِّي وَدِيعٌ وَمُتَواضِعُ القَلْبِ، فَتَجِدُوا راحَةً لِنُفُوسِكُمْ"(مت11: 28). عندما نحتاج الى الفرح يكون لنا المسيح فرحنا لأنه قال "لَنْ يَقدِرَ أحَدٌ أنْ يَسلِبُ مِنكُمْ فَرَحَكُمْ"(يو16: 22) فنشعر بالفرح رغم الحزن والأكتئاب:"كَأنَّنا حَزانَى، مَعَ أنَّنا فِي فَرحٍ دائِمٍ"(2كو6: 10).

 

"ثمر الروح" بحسب (غل5: 22) هو استعلان "طبيعة المسيح" فينا

 

فكل هذه النِّعَم والبركات والفضائل مثل البر والقداسة والمحبة والفرح والسلام والوداعة وطول الأناة والصلاح والتعفف وغيرها من المطاليب الألهية هي ليست أشياء فينا او خصال نتحلى بها او نحاول اكتسابها لكنها حياة المسيح فينا وهي استعلان لشخص المسيح فينا.

 هذه الأشياء هي ثمار لطبيعة المسيح الألهية في ارواحنا فالمسيحي المؤمن شريك في طبيعة المسيح الإلهية لأنه: "لَقَدْ مَنَحَتْنا قُدرَةُ يَسُوعَ الإلَهِيَّةُ كُلَّ ما يَتَعَلَّقُ بِالحَياةِ وَتَقوَى الله...كيْ نَشتَرِكَ فِيْ الطَّبِيْعَةِ الإلَهِيَّةِ "(2بط1: 3-4).

قال المسيح "إنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ صالِحَةٍ تُعطِي ثَمَراً صالِحاً، وَكُلَّ شَجَرَةٍ رَدِيئَةٍ تُعطِي ثَمَراً رَدِيئا" (مت7: 17)  فالثمرالذي يعطيه الروح القدس الساكن فينا يشمل كل الفضائل الصالحة لأنه مكتوب:"أمّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: المَحَبَّةُ، الفَرَحُ، السَّلامُ، الصَّبْرُ، اللُّطْفُ، الصَّلاحُ، الأمانَةُ، الوَداعَةُ، ضَبْطُ النَّفْسِ"(غل5: 22).

 

دور المؤمن:  قبول المسيح، إنكار الذات، ثبات وإتّكال (تسليم وطاعة)

 

طالما المسيحي لم يقبل الحقيقة الألهية ولم يستقبل ويدرك في داخله الأعلان المجيد أن المسيح هو كل شيء في حياته: "المسيح الكل وفي الكل"(كو3: 11) وأن الحياة له هي المسيح فقط:"لنا الحَياة هِيَ المَسيح"(في1: 21) سيظل يعمل تحت إحساس مستمر بالقصور والعجز في كل خطوة من حياته ولن يستطيع ابداً ان يعمل ما يُرضي الله بواسطة قدراته النفسية الطبيعية وبجهوده وأعماله الجسدية مهما حاول، لأنه مكتوب "لا يُمكِنُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ حَسَبَ طَبِيعَتِهِمُ الجَسَديَّةِ أنْ يُرضُوا الله"(روما 8:8).

إذا أردنا ان نتبع المسيح علينا ان نُنكِر انفسنا ونحمل صليب المسيح أي نُخضِع ذواتنا بأستمرار ليعمل الصليب فينا "إذا أرادَ أحَدٌ أنْ يَأتِيَ مَعِي، فَلا بُدَّ أنْ يُنكِرَ نَفسَهُ، وَأنْ يَرفَعَ (يحمل) الصَّلِيبَ المُعطَى لَهُ كُلَّ يَومٍ وَيَتبَعَنِي"(لو9: 23).

الأمر يستوجب ان نحكم دائماً على انفسنا بالموت ولا نتكل على ذواتنا بل على الله الذي يُحيينا "نَشعُر فِي قُلُوبِنا (انفسنا) بِأنَّهُ مَحكُومٌ عَلَينا بِالمَوْتِ. وَذَلِكَ لِكَي نَتَعَلَّمَ ألّا نَتَّكِلَ عَلَى أنفُسِنا، بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأمواتَ إلَى الحَياةِ"(1كو1:9).

 

وصية المسيح للمؤمنين "أثْبَتُوا فِيَّ وَأنَا فِيكُمْ"(يو15: 4). انها وصية ممتزجة بوعد. فوعد المسيح "أنا فيكم" يأتي نتيجة إتمام الوصية "اثبتوا فِيَّ" والحياة المسيحية لا يمكن ان تكون مثمرة إن لم نثبت في المسيح" الّذِي يَثْبُت فِيَّ وأنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثِمارٍ كَثيِرَةٍ" (يو15:5). 

علينا ان نسلك في المسيح ونُثَبِّت عيشتنا فيه كونُه ربّنا وسيّدنا شاكرين لله كل حين وعلى كل شيء لأن الكتاب يقول "فَكمَا قَبِلتُم المَسيِحَ يسُوعَ الرَّبَّ اسلُكُوا فِيِه"(كو6:2) وفي ترجمة أخرى:"فَما دُمتُمْ قَبِلْتُمُ المَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ، عيشوا حَياتَكُمْ فِيْهِ، فَثَبِّتُوا فِيهِ جُذُورَكُمْ، وَاجعَلُوهُ أساسَ حَياتِكُمْ، وَتَقَوُّوا فِي إيمانِكُمْ فِيهِ كَما تَعَلَّمتُمْ، وَلْتَفِضْ حَياتُكُمْ بِالشُّكرِ لله"ِ (كو 2: 6-7).

 

مُتاح ومعروض للمؤمن المسيحي هذا الأمتياز المجيد، بدلاً من أن يتّكل ويستند على ارادته وقدراته الذاتية، وبدلاً من الأستمرار في محاولة تغيير نفسه والعمل على إصلاح اخلاقياته الإنسانية، أن يستند ويثق بالمسيح الساكن فيه لأنّ كل ما نفعله من دون المسيح يعتبر "لا شيء" وبدون المسيح لا نستطيع ان نفعل "شيئا"، إذْ اوصانا المسيح "أنتُمْ لا تَستَطِيْعُونَ أنْ تَفعَلُوا شَيْئاً بِدُونِي"(يو 15: 5).

 لا نستطيع بقدرتنا الذاتية وبطاقتنا البشرية أن نختبر ونحيا "الحياة المسيحية المنتصرة" بينما بقوة المسيح التي فينا نَعَمْ نستطيع ذلك لأن الرسول بولس علّمنا وقال " أستَطِيعُ أنْ أُواجِهَ كُلَّ الظُّرُوفِ بِالمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي"(في4: 13) اذ انّ نعمة المسيح فينا تكفينا وقوّة المسيح فينا تظهر وتَكْمُل بالذات عند ضعفنا لا بل نفتخر ونفرح بالضعفات والمشقات والتحديات كي تحِلّ علينا قوة المسيح، فَعِندَما يزداد ضعفنا، حِينَئِذٍ نكُونُ أقوياء حَقّاً، لأنه مكتوب: "لَكِنَّهُ قالَ لِي: «تَكفِيكَ نِعمَتِي، فَكَمالُ قُوَّتِي يَظهَرُ فِي الضَّعفِ!» لِهَذا فَإنِّي أفتَخِرُ بِسُرُورٍ كَبِيرٍ بِنِقاطِ ضَعفِي، لِكَي تَسكُنَ فِيَّ قُوَّةُ المَسِيحِلِذَلِكَ أفتَخِرُ بِضَعَفاتِي، وَفِي الإهاناتِ، وَفِي المَشَقّاتِ، وَفِي الِاضطِهاداتِ، وَفِي الصُّعُوباتِ مِنْ أجلِ المَسِيحِ. فَعِندَما أكُونُ ضَعِيفاً، حِينَئِذٍ أكُونُ قَوِيّاً حَقّاً!

مكتوب أيضا انه لا نستطيع بقوانا وقدراتنا ان نحيا الحياة المسيحية الصحيحة بل بقوة الروح القدس الساكن فينا: "لا بِالقُوَّةِ وَلا بِالقُدْرَةِ، بَلْ برُوحِي، يَقُولُ رَبُّ الجُنوُدِ"(زك4: 6).

المسيحي الحقيقي لا يستمد قوته من موارده البشرية ولا يتّكل على الأمور الجسدية الخارجية بل يستمد قوته من المسيح الذي فيه ويعبده لأنه مكتوب أن المسيحي "يَعْبُدُ اللهَ بِرُوحِهِ وَيفتَخِرُ بِالمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلا يَتَّكِلُ عَلَى الأُمُورِ الجَسَدِيّة الخارِجِيَّةِ"(في3:3).

 

خاتمة

 

إنّ حياة المؤمن اليومية يمكن تلخيصها في كلمة "قبول" الحقيقة الألهية (الحق) المُعلَنة في كلمة الله وهي ان حياة النفس (حياة الذات البشرية) التي ورثناها من آدم (الأنسان الأول) انتهت في صليب المسيح مع آدم الأخير واسْتُبْدِلَت بحياة المسيح (الأنسان الثاني). المسيح هو البديل (لآدم) الذي يحيى فينا وبواسطتنا، فكل ما يطلبه الله من المؤمن من فضائل وصفات (مثل المحبة والقداسة والبر والفرح والسلام والتواضع والوداعة والصبر الفرح والتعفف وضبط النفس وغيرها) هي استعلان لشخص وحياة المسيح في المؤمن. فليس علينا إلاّ ان نعطي المسيح فرصة وندعه يُظهِر حياته ويُستَعلن فينا تلقائياً وهذا يكفي.

هذا الحق والأعلان الألهي لا يتجسّم فِيَّ او يُستعلَن فيَّ او يُفَعَّل فِي الحياة التي اعيشها الآن إلاّ من خلال العيش بالأيمان، أيمان المسيح، وليس أيماني أنا. بالأيمان العامل بالمحبة المتجسّدة ببذْل المسيح لنفسه من أجلي وبدلاً مِني لأنه أَحبّني، مكتوب:

 "مَعَ المَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأحْيا بَعْد ذلِكَ، لا أنا، بَلِ المَسِيحُ يَحيا فِيَّ.  فَالحَياةُ الَّتِي أعِيشُها الآنَ فِي جِسْمي هَذا، أعِيشُها بِالإيمانِ ، أيمان ابْنِ اللهِ، الَّذِي أحَبَّنِي وَقَدَّمَ نَفسَهُ بَدَلاً مِنِّي" (غل2: 20).

من دون السلوك بمحبّة المسيح التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس(رو5:5) ومن دون طاعة وصايا المسيح كأولاد الطاعة (1بط1: 14) لا يستطيع المؤمن ان يختبر الحياة المسيحية الصحيحة لأنه مكتوب إنّ المؤمن بالمسيح يحفظ كلامه ويطيع وصاياه وعندها يُظهِر له المسيح ذاته لا بل يأتي ومعه الآب ويتخذون من قلب المؤمن مقراً ومسكناً إذ يصنعون عنده منزلاً:

"مَنْ يَقبَلُ وَصايايَ وَيُطِيْعُها، فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي. وَمَنْ يُحِبُّنِي سَيُحِبُّهُ أبِي، وَأنا أيضاً سَأُحِبُّهُ وَسَأُعلِنُ (أُظهِر) لَهُ ذاتِي (يو14: 21)

"إِنْ أحَبَّني أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي، وَيُحِبّهُ أَبِي، وَإلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزلاً"(يو14: 23).  

 

هللويّا / مجدا للرّب !

 

- هذه الدراسة مستوحاة من قراءات لكتب وتأملات روحية عديدة

 

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع