لمن يعرفني، يعلم أنني أحمل عدّة طواقي. فقد تربّيت في بيتٍ مسيحيٍّ كاثوليكي، حفيدةً لشماسٍ في كنيسة الروم الكاثوليك في الجشّ، وكنت ناشطةً في الكنيسة والكشّاف الكاثوليكي. لكنني أيضًا ارتدتُ المدرسة المعمدانيّة في الناصرة، وهناك تعلّمت عن الإيمان المسيحي من زاوية أخرى. في طفولتي بدأت أتردّد على الكنيسة المعمدانية، وبذات الوقت واصلت نشاطي الكنسيّ الكاثوليكي مع والديّ.
خلال فترة دراستي الجامعية كنت نشيطةً في خدمات الطلّاب المسيحيّين، حيث شاركتُ مع زملائي في إعادة تأسيس اجتماع الطلّاب المسيحي الذي أُقيم حينها في سكني الجامعي. في تلك الفترة أصبحت الكنيسة المعمدانيّة كنيستي، لكن الكاثوليكية ظلّت جزءًا من تربيتي، أحترمها وأعتزّ بها لأنها طائفة والديّ وأقاربي.
ولا يمكنني أن أنسى الأرثوذكسية، طائفة والدتي قبل زواجها من أبي، فهي أيضًا إحدى الطواقي التي أرتديها. فقد كان جدّي نايف غريب، الكناوي الأصيل، من أكثر رجال جيله انفتاحًا؛ إذ زُوّجت ثلاث من بناته لشبّانٍ من الروم الكاثوليك، ولم يفرض على أيٍّ منهم تغيير طائفته كما كان متّبعًا في زمنه، وكان ذلك أمرًا صعبًا آنذاك، لكنه قبله بقلبٍ واسع.
وليس هذا فحسب، فقد خدمت والدتي قبل زواجها في الكنيسة والمدرسة المعمدانيّة بين الأطفال، وكان سيدي نايف يفتح بيته لخدمات الأطفال. ومع ذلك، بقي أرثوذكسيًا فخورًا، لم يُغلق عقله ولا قلبه أمام أي كنيسة أخرى.
يوم الأحد الماضي، أرجعتُ والدي من قدّاس الكنيسة الكاثوليكية في الناصرة، وكان قد خرج قبل انتهاء القدّاس بدقائق معدودة ليتجنّب الازدحام وقت الخروج. وإذا بصوت الترانيم الكنسيّة "ليكن اسم الرب مباركًا" يرتفع بلحنه البيزنطي، فبدأت أُردّدها معهم بشكلٍ ارتجالي وأنا أنتظره في الخارج!
قبل أكثر من أسبوع، وخلال تصفّحي لمواقع التواصل الاجتماعي، أدركت أن شيئًا ما يحدث في الكنيسة في الأردن، بلدي الثاني الذي أحمل مواطنته أيضًا، وهي إحدى الطواقي التي أرتديها. فقد تزوّجتُ في كنائسها أمام الله والناس، ولدينا في كل كنيسة هناك صديق واحد على الأقل.
بحثتُ حتى فهمت ما يجري، وسمعت الفيديو المتداول لمطران الكنيسة الأرثوذكسية في الأردن، وهو يطعن في الكنيسة الإنجيلية في الأردن، واصفًا إيّاها بالهرطقات والبدع، مستهزئًا بأسماء بعض الكنائس، ظانًّا أنّها لا تمتّ للإيمان المسيحيّ بصلة. لم يعلم أن ما أسماه "كنيسة النخيل" إنما هي كنيسة الناصري في ضاحية النخيل، وهي منطقة في عمّان، يرعاها قسّ من أصدق قسوس المنطقة، أمينٌ للرب وللإنجيل اولاً، ولعائلته ورعيّته.
ومن خلال حديث المطران، لم يطعن في عقيدة محدّدة، ولم يناقش فكرة أو إيمانًا مغلوطًا، بل اكتفى بكلامٍ عامٍّ مؤكدًا أن الكنيسة الأرثوذكسية هي الأصل منذ ألفي عام، ولا يجوز الحياد عنها.
لكن لعلّه لم ينتبه إلى أن الكاثوليكية أيضًا تأسّست بعد الأرثوذكسية، وأنّ الروم الكاثوليك (الكنيسة الكاثوليكية الشرقية) تأسّست بعد البروتستانتية التي هي أساس الكنيسة الإنجيلية.
ولم ينتبه كذلك إلى أن كلامه يطعن بنحو 600 مليون إنجيليٍّ حول العالم، من طوائف وبلدان متنوّعة في كل أنحاء الأرض.
فهل يمكنه أن يعتبر كلّ من ليس أرثوذكسيًا هرطوقيًا؟
سيقوم المجمع الإنجيلي العالمي، الذي يمثّل 600 مليون مؤمن حول العالم، بتنصيب عربيٍّ من بلاد الشام رئيسًا له في نهاية هذا الأسبوع.
كما يحتفل العالم المسيحيّ، بمختلف طوائفه، في هذه الفترة، بمرور 1700 سنة على مجمع نيقيا، الذي وضع
قانون الإيمان الذي يجمع جميع المسيحيين — بما فيهم الكنائس البروتستانتية والإنجيلية.
فهل هذا زمن الشرذمة واستقصاء الآخر؟
أم زمن الوحدة والاحتفال بما يجمعنا في قانون الإيمان، ويفرحنا كمسيحيين وأبناء بلدٍ واحد، بالاعتراف الدوليّ بوجودنا كأقلية مسيحية في الشرق؟
هذا زمن الوحدة، لنبقَ ملحًا في هذا الزمن، ونورًا على منارةٍ نضيء بها أمام الناس في هذه الأيام العصيبة.
سمر، وبفخر
ابنة الشرق،
مسيحية إنجيلية، ابنة كاثوليكي وأرثوذكسية.


RSS