• إسرائيل والكنيسة في رومية 9-11 - القس الدكتور حنا كتناشو (المقال الأول)
إسرائيل والكنيسة في رومية 9-11 - القس الدكتور حنا كتناشو  (المقال الأول)

دراسة رومية 9-11 محفوفة بالمخاطر لاسيما في الشرق الأوسط. فالعديد من المدارس اللاهوتية تشدد على موقفها وتعتبـر مفهومنا عن "إسرائيل" قضية مركزية في جوهر الإيمان. فبعض المسيحيين الأوروبيين، مثل مؤسسة نيس عميم في شمال إسرائيل، يقبلون خلاص اليهودي دون الإيمان بالمسيح معتمدين على بعض التفاسير الجديدة لرومية 9 -11 كما سنشرح أدناه.[1] وبعض اليهود يعتبـرون أن المسيحية معادية للسامية وأنه آن الأوان لتفسير رومية 9-11 بطريقة تتحدى اللاسامية. فالقضية قضية أخلاقية في جوهر الرسالة المسيحية. وبعض اليهود الذين يؤمنون بالمسيح يجادلون أن خطة الله لإسرائيل عدسة أساسية لفهم أمانة الله وطبيعته وكلمته. ويجادلون أيضا أن عدداً من المواعيد التـي كُتبت في العهد القديم لم تتحقق في المسيح بل ستتحقق في المستقبل مع إسرائيل الإثني وسيُبنى الهيكل مرة أخرى. وعدد غيـر قليل من الفلسطينيين المسيحيين يعتبـرون أن المواقف السابقة تشوش على مركزية المسيح وتسلبه مجده وتروّج ظلم الشعب الفلسطيني.

وتكثـر الاتهامات عند دراسة هذا الموضوع فيتهجم فريق على الآخر تارة باسم المسيح وتورا باسم الكتاب المقدس. وتكثـر الحروب الكلامية الخالية من المضمون الأكاديمي والفضائل المسيحية. فإن تخيلنا فريقين: الفريق أ والفريق ب. حرف أ يدل على الفريق الأصولي وحرف ب يدل على فريق اللاهوت البدلي. فعندئذ يتهم الفريق أ خصمه، الفريق ب، أنهم من اللاهوت البدلي (Replacement Theology) حتى وإن رفضوا هذا اللقب وأصرَّوا أن الكنيسة لم تستبدل إسرائيل.[2] ويبقى الفريق ب متهما حتى ولو أكد ضلالة العبارة القائلة: أن الله يرفض اليهود ويعاقبهم لأنهم قتلوا المسيح (Punitive Replacement Theology). ويرد الخصم، أي الفريق ب، متهما الفريق أ بأنهم أصوليون صهيونيون مستخدما كلمات يُقصد بها فكرا استعماريا وإنغلاقا فكريا لا يسمح بالتفكير بعدالة الله ومحبته لجميع البشر. وأحيانا تُقرع طبول الحرب وتُجند المشاعر والطاقات في ترويج العداوة بدلا من المحبة التي تسعى إلى الحق بتواضع.

أضف إلى ذلك، لقد كُتبت عبـر السنوات آلاف الصفحات ومئات الكتب التي تتحدث عن رومية 9-11.[3] ويشرح الباحث جورج أن بعض الباحثين همّشوا رومية 9-11 في الرسالة إلى رومية والبعض الآخر جعلها مركز الرسالة وأهم ما فيها.[4] ولقد شملت هذه الكتب الكثيـر من الآراء والمواقف المتباينة والخلافات اللاهوتية والسياسية. فثمة كم هائل من المعلومات والمقالات التـي يعجز معظم الباحثين عن فحصها.[5] في ضوء هذا الواقع الأكاديمي والضجة الروحية المتعلقة برومية وبالدراسات الأكاديمية القديمة والجديدة للرسول بولس قد يعتقد البعض أنه من الغباء التحدث والكتابة عن رومية 9-11 إلا أن حاجتنا جميعا إلى سماع كلمة الله ودراستها لا يمكن تجاهله لا سيما إن كان الدارس مُحاطا بالفئات المتحاربة. وتزداد الحاجة للكتابة عن رومية 9-11 في ضوء قلة المصادر العربية والمنظور العربي الذي يتعامل مع آخر المستجدات الأكاديمية المرتبطة ببولس لاسيما رسالة رومية. ولهذا من الضروري الكتابة عن رومية 9-11 وعدم تجاهل أهميتها في تشكيل هوية وإرسالية الكنيسة في الشرق الأوسط.

فعلا، يؤمن معظم الباحثين المسيحيين أن رومية 9-11 هي المرجع الكتابي الأول والأهم في تعريف علاقة الكنيسة بإسرائيل.[6] ويميّــز الكثيـرون بين إسرائيل الإثنـي وإسرائيل الله. ويشدد المصطلح "إسرائيل الإثنـي" على القواسم البيولوجية والتاريخية والثقافية والدينية التي تجمع اليهود معا بينما يشدد المصطلح "إسرائيل الله" على جميع الذين يؤمنون بيسوع المسيح مهما كانت خلفيتهم الإثنية. إضافة إلى ذلك، يستخدم البعض مصطلح إسرائيل للدلالة على إسرائيل السياسي أي دولة إسرائيل المعاصرة التـي تتميـز بمواصفات جغرافية ولغوية وثقافية محددة. وسنستخدم هذه المصطلحات الثلاثة بهدف البحث عن الدقة في التعبير. 

                                  إسرائيل

إسرائيل الإثني       إسرائيل السياسي         إسرائيل الله

وقد يكون بعضنا جزءا من أكثـر من نوع من إسرائيل في ذات الوقت. فالعربي الفلسطيني ثقافيا والمسيحي بإيمانه وإسرائيلي بمواطنته هو أو هي جزء من إسرائيل السياسي وإسرائيل الله ولكنه ليس جزءا من إسرائيل الإثنـي. وكون الإنسان جزءا من إسرائيل السياسي لا يعني بالضرورة تبني البـرامج السياسية أو الحزبية لهذا الكيان السياسي. أيضاً، ينتمي اليهود الذي يؤمنون بيسوع المسيح ويحملون المواطنة الإسرائيلية إلى إسرائيل الإثنـي والسياسي وإسرائيل الله في ذات الوقت. أو قد يصبح فردا أو مجموعة ما جزءا من أحد أنواع إسرائيل المذكورة أعلاه. فليست العضوية في إسرائيل مغلقة. فحتى إسرائيل الإثنـي قد يتشكل بالتهوّد وبالزواج من إثنيات أخرى. وهذا ما نجده في طيات الكتاب المقدس.[7] ونجده أيضا في عدة دراسات يهودية.[8]

على أي حالٍ، يستخدم بعض الباحثين رومية 9-11 لوصف مستقبل إسرائيل الإثنـي في مخطط الله مما يثيـر عدة أسئلة مهمة. فهل يتحدث الرسول بولس في رومية 11 عن نهضة مستقبلية لإسرائيل الإثنـي؟ وما علاقة هذه النهضة بإسرائيل السياسي أو بإعادة إقامة إسرائيل ككيان سياسي في أرض محددة؟ وما علاقة إسرائيل الإثنـي بإسرائيل الله؟ لماذا قال الرسول: "ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون" (رو 9: 6)؟ وما قصد الرسول بولس عندما قال أن العمـى قد أصاب إسرائيل جزئيا إلى أن يتم دخول الأمم كُليا وهكذا سوف يخلص جميع إسرائيل (رو 11: 25-26)؟ هل "جميع إسرائيل" هو إسرائيل الإثنـي أم إسرائيل الله الذي يشمل كل الشعوب؟ وما دور إسرائيل السياسي في فكر الرسول بولس؟

وكيف يفهم الرسول بولس في رومية 9-11 الفكر النبوي المتعلق بإسرائيل الإثنـي؟[9] كيف يقتبس بولس آيات العهد القديم علماً بأنه يقتبسها نحو 33 مرة في رومية 9-11؟[10] هل يقتبسها بطريقة حرفية أو طبولوجية (سنشرح المفهوم الطبولوجي في المقال القادم)؟ وهل دور إسرائيل في العهد القديم هو صورة طبولوجية تتحقق في المسيح وأتباعه أم أنه سيتحقق حرفيا في المستقبل أم أن تحققه طبولوجي وحرفي أيضا؟

 

[1]The organization advocates a non-missionary approach to Jews, freeing Christian theologies from anti-Semitism, solidarity with the Jewish people, as well as peacemaking for both Arabs and Jews. See their official website nesammim.org as well as the article on Wikipedia, en.wikipedia.org/wiki/Nes_Ammim.

[2]Michael Vlach, “Various Forms of Replacement Theology,” The Master’s Seminary Journal 20 (2009): 57-69. Vlach discusses three kinds of replacement theology: punitive, economic, and structural supersessionism.

[3]See for example the helpful article of John Taylor who provides a historical overview of Romans 9. John Taylor, “The Freedom of God and the Hope of Israel,” Southwestern Journal of Theology 56 (2013): 25-41.

[4]George Gianoulis, “Is Sonship in Romans 8:14-17 a Link with Romans 9?” Biblitheca Sacra 166 (2009): 70-74.

[5]N. T. Wright, Paul and the Faithfulness of God (Kindle Edition; London: SPCK, 2013), loc 31650-31653.

[6]For further details about the relationship of Israel and the Church see Chad Owen Brand, ed. Perspectives on Israel and the Church: 4 Views. Nashville: Broadman & Holman, 2015. The four views are: Traditional Covenantal, Traditional Dispensational, Progressive Dispensational, and Progressive Covenantal. See also Yohanna Katanacho, Review of Perspectives on Israel and the Church, by Chad Brand, Themelios 41 (2016): 153-155; online: http://tgc-documents.s3.amazonaws.com/themelios/Themelios41-1.pdf#page=.

[7]For further information see Yohanna Katanacho, The Land of Christ: A Palestinian Cry (Kindle Edition; Eugene: Pickwick, 2013), loc 322-545.

[8]See for example Pamela Eisenbaum, Paul Was Not a Christian: The Original Message of a Misunderstood Apostle (Kindle: HarperCollins Ebooks, 2009), 108.

[9]In a concluding essay, Jared Compton argues that Paul puts the whole Bible together in Romans 9-11.  Paul, in Romans 9-11, is doing biblical theology engaging Old Testament texts as a follower of Jesus. See Jared Compton and Adnrew Naselli, eds, Three Views on Israel and the Church: Perspectives on Romans 9-11 (Grand Rapids: Kregel, 2018), 235-236. For further details about interpreting the Old Testament as a follower of Christ see Peter Gentry and Stephen Wellum, Kingdom through Covenant: A Biblical Theological Understanding of the Covenants. Wheaton: Crossway, 2018.

[10]Compton and Naselli, 62-63.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع