مقدمة موقع "تعال وانظر": تتوالى الأحداث المؤلمة التي تستهدف الوجود المسيحي ورموزه في مشرقنا العربي؛ فمن حرق شجرة الميلاد في مدينة جنين، التي تُعد رمزاً للفرح والأمل والعيش المشترك، إلى الاعتداءات المتكررة على دور العبادة، نجد أنفسنا أمام جرح نازف يتجاوز حدود الجغرافيا ليصيب جوهر وجودنا الإنساني والوطني. إن هذه النيران التي التهمت الشجرة في فلسطين، ليست إلا صدىً لنفس خطاب الكراهية الذي طال الكنائس في دمشق وغيرها، مما يستوجب وقفة جدية لا تكتفي بالإدانة، بل تبحث عن الحلول الجذريّة. وفي هذا السياق، يأتي مقال الدكتور شارلي يعقوب أبو سعدى ليضع النقاط على الحروف، متسائلاً عن الجدوى من الغضب الصامت ومقدماً خارطة طريق عملية للمواجهة.
ما حدث في كنيسة مار إلياس في دمشق ليس مجرّد اعتداء عابر، بل جرس إنذار جديد في سلسلة طويلة من الاستهداف.
إنه يُشير إلى أزمة هوية، وأزمة انتماء، وأزمة في العلاقة بين الأديان. غير أن هذه الجرائم المروّعة بحق الأبرياء لا تُواجه بالبيانات وحدها، ولا تُعالج بالانفعالات والعواطف فقط.
نحن المسيحيون لسنا ضيوفًا على هذه الأرض، بل نحن من ترابها وجذورها، شركاء في حضارتها وتاريخها.
لكن تكرار هذه الحقيقة دون تحوّلها إلى فعل واضح ومُنظَّم لن يحمينا، ولن يصنع التغيير.
لذا، باتت الحاجة ملحّة إلى رؤية نبوية جريئة ومتجانسة، تجمع بين الأبعاد السياسية والمجتمعية والكنسية واللاهوتية، وتعمل على تنسيق هذه المجالات لتحقيق استجابة شاملة وجذرية وفعّالة.
إليكم أبرز المحاور العملية:
أولًا: على المستوى السياسي والحقوقي
• التربية على المواطنة بدل الطائفية: ندعو وزارة التربية والتعليم إلى تطوير المناهج لتعلّم التعددية، وقبول الآخر، واحترام التنوع الديني.
• كتابة تاريخ مشترك للمشرق يُنصف المسيحيين ودورهم.
• سنّ قوانين تُجرّم خطاب الكراهية والتكفير والتمييز الديني.
• تحييد مؤسسات الدولة عن الانحياز الديني وضمان المساواة لجميع المواطنين.
ثانيًا: على المستوى المجتمعي والثقافي
• إنتاج محتوى إعلامي يواجه الكراهية، ويُبرز قصص التعايش بين المسيحيين والمسلمين.
• حملات على السوشال ميديا تؤكّد أنّ المسيحيين ليسوا غرباء، بل أبناء هذه الأرض.
• تحالفات مجتمعية بين نشطاء من مختلف الأديان لمواجهة التحريض والدفاع عن السلم الأهلي.
ثالثًا: على المستوى الكنسي والرعوي
• الكنيسة مدعوّة لأن تكون نورًا لا ينطفئ، لا أن تختبئ من الفكر التكفيري.
• لا يكفي التحصّن بالطقوس، بل نحتاج إلى فكر مسيحي حيّ يشارك في بناء المجتمع.
• تدريب قادة الكنيسة والشباب على الحوار مع الآخر، بروح الاحترام والانفتاح.
• مبادرات مشتركة مع المسلمين المعتدلين في مشاريع بيئية، ثقافية، وصحية.
• تعزيز حضور المسيحيين في السياسة والثقافة والمجتمع، كجزء من رسالتهم الإنجيلية.
رابعًا: على المستوى اللاهوتي والإيماني
• تجديد الخطاب اللاهوتي ليُركّز على أنّ كل إنسان مخلوق على صورة الله (تكوين 1:27).
• تبنّي لاهوت شجاع: لا يدعو للانغلاق، بل للمعرفة والانفتاح الناضج.
• تعليم محبة الجميع، حتى المختلفين دينيًا: "أحبوا أعداءكم" (متى 5:44).
• تربية روحية تجمع بين الإيمان والانفتاح، دون خوف أو تعصّب.
• تحصين الهوية المسيحية من عقلية الضحية أو الكراهية، وتعزيز الشهادة وسط الألم.
• تبنّي خطاب لاهوتي عقلاني، يُبرز عمق الإيمان المسيحي وأصالته، دون تهجّم أو انفعال.
خلاصة: بين الألم والرجاء
ما طُرح هنا ليس شعارات، بل خطوات قابلة للتطبيق على يد الأفراد، الكنائس، المساجد، المجتمع المدني، والحكومات.
نحن بحاجة لبعضنا البعض:
إما أن نكون معًا، أو لن نكون. نختلف؟ نعم. لكن لا مبرّر للخلاف والصراع. فالاختلاف لا يُلغي الاحترام.
وأقول للمسيحيين:
لا نردّ على التكفير بالكراهية، بل بالمحبة النبوية والشجاعة والحق.
المسيح لم يُعلّمنا الانتقام، بل علّمنا أن نُقابل الشر بالرحمة، والظلام بالنور، والعداء بالصلاة.
شاركونا هذا الصوت. لنجعل الحزن غضبًا نبيلاً، والغضب عملاً نافعًا، والعمل شهادة للمحبة.


RSS