• ماذا لو تعرضت الكنيسة للهجوم؟ كيف سيتصرّف المسلم؟ بقلم روان صبّاح منيّر
ماذا لو تعرضت الكنيسة للهجوم؟ كيف سيتصرّف المسلم؟ بقلم روان صبّاح منيّر

لقد سمعت في الاسبوع الاخير اسئلة مختلفة من العديد من المسيحيين تتعلق بالاحداث الاخيرة في القدس, تهجير العائلات من بيوتها في حي الشيخ جراح والاعتداء على المسجد الأقصى "لو تعدوا على كنيسة القيامة راح يوقفوا معنا؟"  "ليش اوقف معهم لما هم ما بحبوني" "العنف والارهاب جاي من عندهم" والمزيد من التساؤلات.

اخي المسلم, اختي المسلمة, بناءا على ذلك, كيف اذا استطيع محبتك؟ فنحن كمسيحيين, من نحب؟ وكيف نحب؟ وعلى اساس ماذا نحب؟ وبأي توجه سوف نُأتي ملكوت الله على الارض؟

ان العقلية السائدة في مجتمعنا ان المسلم للمسلم, المسيحي للمسيحي واليهودي لليهودي, فيعتني كل منهم بفئته. الا ان دورنا كمسيحيين هو كسر هذه العقلية. انه لواجب علينا. لقد علمنا يسوع المسيح أن نحب ونهتم ونعتني بجيراننا وأعدائنا ليس بحسب انتمائهم لفئة معينة وليس بحسب تصرفهم معنا, بل بحسب ما طلبه المسيح منا.

لقد حارب يسوع العقلية العشائرية والطائفية ودعانا أن نساعد كل من يعاني. في انجيل لوقا 10: 25-37 يأتي لنا يسوع المسيح بمثل السامري الصالح:

"كان هناك رجل يهودي مسافر من اورشليم الى اريحا. .. وكان هذا الطريق مكانا لللصوص وقاطعي الطرق ليختبؤاوينتظروا المسافرين. في ذلك اليوم هاجم اللصوص هذا الرجل، فأخذوا ملابسه وضربوه ضربا مبرحا وتركوه بين حي وميت. ولحسن الحظ كان هناك كاهنا مسافرا على نفس الطريق ولكنه عندما رأى الرجل الجريح تركه ومضى. ثم مر لاوي بنفس المكان والاوي من رجال الدين ولكنه عندما رأى الرجل تجنبه واتجه الى الجانب الاخر من الطريق وتركه.
لكن رجلا سامريا كان مسافرا على نفس الطريق وصل عند هذا الرجل الجريح. عادة السامري لا يساعد اليهودي بسبب التمييز العنصري الكبير الموجود بين الشعبين. لكن هذا السامري عندما رأى الرجل الجريح وهو في وضع سيئ، تحنن عليه، فداوى جراحه وقام بتنظيفها و تعقيمها وربطها. ثم حمله ووضعه على حماره واخذه الى فندق واسكنه في مكان مريح. وفي صباح اليوم التالي اخرج قطعتين من الفضه واعطاهما لصاحب الفندق وقال له،" اعتني به واذا صرفت عليه اكثر فأضفها على حسابي وعندما عود سأدفع لك المبلغ ".
ثم نظر يسوع الى الناموسي وسأله." اي من الرجال الثلاثة اصبح قريب الرجل المجروح ؟" فأجابه الناموسي،" الرجل الذي رحمه واعتنى به " حتى انه لم يلفظ كلمة " سامري " بسبب الحقد الموجود في قلبه. فقال له يسوع " اذهب وافعل الشيئ نفسه"

هل نقف مع المظلوم بناءا على انتمائه الديني؟ هل نحب بناءا على هوية المظلوم؟ في قصة السامري الصالح لقد عكس يسوع المسيح السؤال : ما هي هويتك انت ؟ هل حدد لنا المسيح اي فئة نساعد؟ فالظلم هو ظلم لا يهم لاي مجموعة. لقد اوصانا المسيح ان نقف الى جانب المظلوم دون ان نسأل من هو, مسلم كان او بوذي او يهودي او اي كان.

يعلمنا الكتاب المقدس بوضوح أن نقضي بالعدل وأن نحامي عن المظلوم " اِفْتَحْ فَمَكَ. اقْضِ بِالْعَدْلِ وَحَامِ عَنِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ"  (أمثال 31:9).

 لقد تحدى يسوع الامبراطورية الرومانية والسلطات الدينية التي تستغل القوة والمنصب, ووبّخهم بشدة, وكان هذا احد أسباب ادانته وصلبه حيث تحدى النظام المسيطر-الظالم .

من الناحية الاخرى, عندما التقى يسوع بأناس مظلومين كالمرأة السامرية, لقد رفعهم, قواهم وشدّدهم, على الرغم من اعمالهم المشينة وخطيئتهم. استنتاجنا كمسيحيين يجب ان يكون اولا وقبل كل شيئ مساعدة كل شخص مظلوم ومحتاج, دون علاقة لإنتمائه, لحسن معاملته لي, ودون حسبان ان كان سيرد لي الجميل.

في هذه الايام, نرى أمام اعيننا عنف شديد في جميع انحاء البلاد. كمسيحيين لا نقبل العنف بجميع أشكاله. انما علينا التمييز بين نوعين من العنف: العنف المؤسساتي الذي يهدف لفرض السيطرة والقوة, والثاني العنف الاتي كردة فعل جراء الاضطهاد والتمييز العنصري بالاضافة للقمع والظلم. علينا ككنيسة القرار من هو صاحب السيادة الذي يسيئ استخدام القوة؟  من هو المستضعف والى جانب من نقف؟

لقد تم اعتقال 116 شاب عربي-فلسطيني بتهمة الفوضى, التخريب والعنف, من ناحية اخرى لم يتم اعتقال شاب يهودي واحد بأي تهمة, على الرغم من ما شاهدته اعيننا وسمعته أذاننا من اعمال تحريض, تخريب, ترهيب ودعاء "الموت للعرب" في جميع انحاء البلاد. فكيف لنا ككنيسة اذا أن لا نحسم من هو الظالم ومن هو المظلوم. وماذا عن الحرب ضد أهلنا في غزة التي مات بها حتى الان أكثر من 50 طفل؟ انه لعار علينا اذا اخترنا ان نغمض اعيننا ونستمر في حياتنا "الروحية" كالمعتاد. فإذا كنا نشعر أنه ليس بوسعنا فعل أي أمر ضد الظلم, على الأقل علينا أن نفضحه ونتكلم عنه.

اسفي على كنيسة فقدت صوتها النبوي, فقدت رسالتها الجوهرية بالوقوف الى جانب الضعيف والمظلوم, فقدت مصداقيتها لعدم اتخاذها موقف واضح ضد الظلم والعنصرية والاحتلال والعنف. وتبنت التوجه الغربي- الصهيوني بتحويل اساس كل مشكلة الى الاسلام لتشتيت الاذهان من الحقيقة.

اذا تقول الكنيسة انها لا تتدخل بالسياسة, فهذا بعينه موقف سياسي بحت! عدم التدخل بالسياسة يعني الرضى بالوضع الحالي, عدم الحاجة الى التغيير والوقوف مع القوي والمهيمن.

فنحن كمسيحيين, ما هو دورنا؟ وما هو تأثيرنا اذا؟ بماذا نأتي لمجتمعنا بالمنفعة اذا كنا نصلي داخل الكنائس دون مواقف واضحة وصريحة, دون التصريح بكلام حق! انه النفاق والازدواجية يا اخوتي. أسفي على كنيسة اختارت الايمان المريح والاناني وأغمضت عينيها عن الشؤون التي وجب عليها التدخل بها. فما هي رسالتنا اذا كان ايماننا منقطع عن الواقع الذي نعيش به؟

اسفي وحزني على كنيسة صامتة دون صوت. كيف ندعي أننا نور وملح اذا كنا لا نفهم معنى السلام ولا العدل الذي نصلي من أجله داخل كنائسنا. لنُظهر كمسيحيين اهتماننا بالعدالة ولكل شعب مظلوم, وليت الاحداث الاخيرة تكون صحوة وسبب بركة للكنيسة. امين.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع