• نبع محبة ينفجر في الجلجثة! بقلم:بطرس منصور
نبع محبة ينفجر في الجلجثة!    بقلم:بطرس منصور

خيم الظلام ظهرا على مدينة ذات تاريخ عريق، يا ترى ماذا الخبر؟

آلاف اليهود احتفلوا بفصحهم وتذكروا خلاص الرب لشعبه في مصر من ضربة ملاك الموت لابكارها وذلك بواسطة رش الدم على العارضة والقائمتين.  لكنهم لم يلتفتوا ان في وسطهم معلم بين ربوة سيرش في الساعات القريبة دمه على عارضة اخرى على شكل صليب سمر عليها  لخلاص البشرية جمعاء.

 سار الركب الى جانب جبل المريا حيث اطاع ابراهيم الله فاوثق المحبوب اسحق ليقدمه ذبيحة. اما هنا فتقدم  المعلم الموثوق الركب في طريقه للصلب.  اشفق الله على اسحق من سكين والده الحادة وعلى ابراهيم نفسه الذي كان قلبه سينفطر حزنا على اسحق لو اتمم الرب مبتغاه الاصلي. لقد اعد الرب شاة مكانه وحقق النجاة اذ قال لخليله: "لا تمد يدك الى الغلام"! 

احداث النهار المظلم في اورشليم تشابهت بالرمزية لكنها اختلفت بالجوهر. اذ قدم الآب ابنه - ليس ولدا محبوبا فحسب- بل سيد العالمين المشترك في اللاهوت بالثالوث منذ الازل. سمح الآب بأن يضربه سيف الموت ويطعنه الجنود بحربة في الجلجثة بينما كان معلقا بين الارض والسماء دون ذنب اقترفه. انفطر قلب الابن والآب لانفصالهما عن بعض في الصليب، في اعظم قصة حب عرفها وسيعرفها التاريخ.

دمعت بنات اورشليم على حبيبها بينما ساقه الجنود للصلب وقد اهانوه واحتقروه. وندمع اليوم اذ نذكر المشهد الرهيب. نحزن ونبكي ونصوم فالعواطف جياشة ومن سيتمالك نفسه اذا ما رأى من لم يعمل خطية ومن لم يكن في فمه غش، يقاد للصليب؟ 

لكن الصليب اكثر من مجرد مشهد محرك للعواطف.

انه الحدث المركزي في تاريخ البشرية. انه موعد ربط فيه المصلوب الارض بالسماء. فيه جعل المسيح - من لم يعمل خطية- لعنة وخطية لاجلنا. . لقد ارجع الابن كل من يؤمن الى الحظيرة.

فوق الكل تجلت في الصليب المحبة التي لا يعبر عنها. في ذلك الصليب المحتقر تجلت اعظم محبة فثمنها هو الاغلى في الوجود -دم ابن الله المسفوك.

امام تلك المحبة يتغير كل شئ.  فبواسطة الصليب يتصالح البشر مع الههم وخالقهم. الصليب يرجعنا للحالة الاصلية- الى تلك العلاقة الحميمة مع من خلقنا على صورته كشبهه. الصورة تشوهت بانحرافنا واصبح من الصعب معاينة الشبه مع الله، لكن الصليب استرد المسلوب واصلح المشوه.

الصليب يجعلك تتذكر الاساسيات بأن مصدر كل شئ هو المحبة. فالله محبة. كمبدع خلاق محب خلق الله الانسان ليكون لذلك الانسان علاقة محبة حميمة مع خالقه. ولقد وضع الله في خلقه نبع محبة. فالانسان يحب ويتوق لتلك المحبة. انها سراب يركض في اعقابها كل حياته على امل ايجادها. انها ما فتأت تفلت من يده. اذا ما وجدها، فانها سرعان ما تذبل او تتلاشى

 

لكن...بالصليب محى الرب ما عطل العلاقة وخربها (عصيان البشر بفعلهم للخطية) وانفتحت كوى محبة السماء على البشر وامتلأ نبع المحبة في قلب الانسان حتى فاض... لقد اصبح نبعا لا ينبض

سرنا في طريق القفر القاحل ولكن بتجدد النبع الفياض زال العطش للمحبة

لننهل منه حتى الارتواء.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع