• تأملات من العهد القديم: أورشليم - بقلم القس حنا كتناشو
تأملات من العهد القديم: أورشليم  - بقلم القس حنا كتناشو

من أجل صهيون لا أسكت، ومن أجل أورشليم لا أهدأ (إش 62: 1). أورشليم، أورشليم! يا لها من مدينة مميّزة! بنى فيها سليمانُ هيكلَ الله. وهناك قدّموا الذبائحَ وعبدوا اللهَ الغفور الرَّحيم. فيها حَلُم البشرُ بزوال العداء وانتشار الوفاء وانتهاء كلّ داء. إنَّها مدينةُ السلام ومدينةُ القداسة ومدينةُ العدالة والبـر. إنَّها المدينةُ التي ربط اللهُ نفسَه بها. إنَّها المدينةُ التي تغزَّلَ بها الأنبياءُ لأنَّه من صهيون تخرج الشَّريعةُ ومن أورشليم كلمة الرب (إش 2: 4). إنَّها المدينةُ التي أحبها الكهنةُ وتوافد إليها الحكماءُ وسكنها الملوكُ الأتقياءُ.

                قال عنها إشعياء "لا يُسمع بعدُ ظلمٌ في أرضك ولا خراب أو سحق في تخومك" (إش 60: 18). سيلتجأ إليها المساكينُ ومنكسرو القلبِ والمسبيون والمأسورون والأيتامُ والأراملُ والأسرى واللاجئون ومدمنو المخدرات والنساءُ المضروبات والمرضى بمرضٍ عُضالٍ والمعاقون والفقراءُ والمنكوبون. وسينال جميعُ من يؤمن بسيدها الفرحَ عوضاً عن النواح. وسيبيد اللهُ فيها كلَّ يأسٍ وكلَّ ظلامِ وكلَّ شرٍ.

                لهذا يصرخ إشعياءُ من أجل حُلم أورشليم العادلة ومن أجل أورشليم البارة لا يسكت (إش 62: 1). فهي عربون ملكوت الله على الأرض. وفيها تتجسد حضارةُ المحبة والعدالة والسَّلام. إنَّها نورُ الأممِ وملحُ الأرض. وتجسدت أورشلمُ في المسيح وتجسَّمت في الكنيسة. إنَّها مدينةُ الصليب ومدينةُ القيامة ومدينة انسكاب الرُّوح القدس ومدينة الكنيسة الأم. ولكن أورشليم مازالت في زمن الصَّليب ومازالت تنتظر زمن القيامة.

                تنادي أورشليمُ أولاد النُّور ورُسل المحبة والعدالة ليُعيدوا إليها كرامتها وينزعوا عار الخطيئة والشَّر من شوارعها. فمن يحب ويقاوم البغض يبني أورشليم. ومن يُعلّي الحقَّ ويتحدى الظلم يضيء شمعة في شوارعها المظلمة. آه يا رب. أعد إحساناتك إلى أورشليم وألبسها ثياب الخلاص والبر. ولتُدعى مدينة العدل ولتصبح تسبيحة في كل الأرض. اجلب عليها تغييرا لا للأفراد فحسب بل أيضاً لكل حجر في أورشليم حتَّى تنطق الحجارةُ وتُكرَّم دموعُ المسيح الذي بكى عليها لأنَّها لم تعرف زمنَ افتقادها. لينتهي كلُّ ظلم فيها وكلُّ قسوة عليها وكلُّ إجحاف بحق أولادها وبناتها. لتُشرق شمسُ العدل والرَّحمة والسَّلام على أورشليم وليعبد الجميعُ اللهَ بالروح والحق وبالمحبة والعدل. وليحكم السِّياسيون بالإنصاف ولتحيا أورشليم بسلام المسيح، رئيس السلام وملك البـر. اذكر يارب أورشليم وكل من يزورها ويحكمها ويعيش فيها ويفكر فيها ويقرأ عنها. اجعلهم رُسلاً لرسالتها.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع