• عام 2017 – أمان نسبي لمسيحيي الشرق بقلم: بطرس منصور
عام 2017 – أمان نسبي لمسيحيي الشرق  بقلم: بطرس منصور

من المؤسف ان نضطر تقييم مدى الأمان الشخصي للمسيحيين في الأقطار العربية في الشرق الاوسط عام 2017 بدل النظر للإنجازات العلمية او التقدم الاقتصادي العام ولكن ظروف منطقتنا القاسية تضطرنا لتقييم ذلك.  لم تغب عن ذاكرتنا مشاهد نزوح مسيحيي العراق والاعتداءات البربرية ضد المسيحيين في سوريا في الحرب الاهلية والتنكيل بمسيحيي مصر في السنين الأخيرة.

بعد عدة سنوات اليمة عانى فيها المسيحيون في الشرق، كان عام 2017 خفيف الوطء نسبيا عليهم.

لا اعتقد ان السبب هو تغيير جوهري في التوجه العام من الحكومات او فئات مجتمعية مختلفة، وانما ينبع ببساطة من مجريات الأمور السياسية والأمنية في المنطقة كما سأشرح فيما يلي.

ان أكثر عاملين يحولان حياة المسيحيين في الشرق الى جحيم وعدم امان هما انعدام حكم القانون من جهة والفكر الاصولي، المستتر منه والظاهر على حد سواء، من جهة اخرى. كيف يمكن تلخيص هذان العاملان في العام الذي يوشك على الانتهاء؟ سأضيف في نهاية مقالي عاملاً آخر هو تشكّل المحور السني مقابل المحور الشيعي –الأمر الذي قد يكون له تأثير هو الآخر على امان المسيحيين والأقليات العددية عامة في الشرق.

حكم القانون

ان انعدام سيادة القانون في دول الشرق يتيح المجال لكل كاره للمسيحيين او لأي أقليات أخرى في الشرق ان ينكل بهم دون رادع. ان مسيحيي الشرق بغالبيتهم الساحقة مسالمون ويرغبون بالعيش الحر والكريم بالولاء لبلدهم. لذا فان النظام الأمثل المناسب لمثل هذا التوجه عند المسيحيين هو العيش في نظام ديمقراطي محمي بدستور يكرس حقوق الأقليات الدينية والعرقية عن طريق حكم القانون وهكذا لا يميّز بين مواطن وآخر وفئة وأخرى. لكن النظام الديمقراطي يحتاج إضافة للمؤسسات التي ستطبقه ايضاً للبنية التحتية في قلوب وعقول المواطنين. من هنا فلا يمكن تطبيق نظام ديمقراطي كهذا في دول يرفض اغلب سكانها الديمقراطية عن وعي (لتناقضها مع ايديولوجيات وعقائد او مصالح) او عن غير وعي (لخوفهم من المجهول او للجهل الذي زرعه في عقولهم نظام الحكم او منظومة دينية معينة). ان هذا ما جرى عندما ارادت أمريكا بسذاجتها تطبيق النظام الديمقراطي في العراق- وهي دولة عانت لعقود طويلة من دكتاتورية حزب البعث.

وهكذا تنعدم الديمقراطيات الكاملة في الشرق اصلاً ولكن قد تجد بعض بذور الحريات في بعض الدول منها بتفاوت بين دولة وأخرى.

من هنا فان عيش المسيحيين في نظام ديمقراطي حر في الشرق ليس ممكناً بالظروف الآنية، ومن هنا فان سلامتهم وازدهارهم في تلك الدول مرتبط بالمتانة الأمنية للأنظمة غير الديمقراطية التي يعيشون فيها بغض النظر عن مدى مركزية النظام ووجود الحريات فيها. فمثلاً عاش المسيحيون بأمان وسلام في سوريا تحت النظام السوري البعثي الدكتاتوري قبل الحرب ولكن ازدهارهم وانتعاشهم وتقدمهم الحياتي بقي محدوداً فلم يفلحوا في اختراق السقف الزجاجي الاقتصادي او السياسي المرتبط أصلا بنوعية النظام. اما في بلاد نظامها اقل دكتاتورية مثل الأردن، فهناك ايضاً عاش المسيحيون بأمان وسلام ولكن سنحت لهم الفرصة الانطلاق اقتصادياً وحتى سياسيا، وهنا ايضاً بحسب السقف الزجاجي الأعلى الموجود في الأردن.

في عام 2017 رصّت الأنظمة في الدول العربية صفوفها واحكمت اجراءاتها الأمنية، وهكذا نعِم المسيحيون بحياة أكثر اماناً من سنين سبقتها. حتى مصر التي تعاني من وجود جيوب إرهابية أصولية مستترة ونشطة فلقد ركزت جهودها الحثيثة على ترتيبات أمنية اشد احكاماً ومنعت الكثير من العمليات ضد مؤسسات النظام وضد المواطنين العزل وضد الاقباط (لم يغب عن بالي المجزرة يوم الشعانين في الكنيسة في الإسكندرية وطنطا). لكن عقب أخيل ما زال شبة جزيرة سيناء وشر دليل على ذلك هو مقتل المئات في التفجير في مسجد الروضة قرب العريش قبل 4 أسابيع .

بالمجمل- لقد حصلت الدول العربية على الدعم المالي والعسكري من القوى العظمى-أمريكا واللاعب القديم/الجديد روسيا، وهكذا احكمت نظاماً امنيا يحافظ على الامان وبضمنهم المسيحيين ويبدو ان ذلك سيستمر في العام الجديد أيضا.

الاصولية

ان العنصر الثاني الذي يهدد امن المسيحيين في الشرق هو الأصولية، الظاهرة منها والمستترة على السواء. ولا يلحظ المتتبع لمجريات الأمور في الشرق تغييراً ملموساً لمنسوب الأصولية في الشرق. فالربيع العربي الذي انطلق قبل عدة سنوات منح العرب عامة املاً بتغيير جذري في الأنظمة والحريات، ولكن هذه الانطلاقة تم اختطافها من الحركات الأصولية. وكان رد فعل القادة الحكام أصحاب الإمساك المحكم بالحكم قوياً وفتاكاً وهذا انحسرت المعارضة الأصولية لصالح الدكتاتوريات. وفي الوقت نفسه ظهرت داعش كحركة شعبية أصولية متطرفة جذبت الشباب المثالي ومغسول الدماغ بتمويل خليجي فنهشت مناطق في العراق وسوريا وبثت سمومها ليس فقط في الشرق وانما في العالم كله. نتيجة لذلك تجندت الدول العربية ودول العالم المختلفة لدحر داعش ويبدو انها نجحت في مسعاها هذا لحد كبير.

لكن المعركة ضد الأصولية ليست عسكرية فحسب وانما هي بالأساس معركة فكرية وذهنية وتربوية – وتعليمية وطبعاً فقهية (اذ يتوجب ان الإسلام الوسطي يقدم فكر إسلامي يناهض فكر داعش). رغم ظهور بعض براعم العلمانية والفكر المتنور في العالم العربي لكن وللأسف ما زالت جذور الفكر الاصولي عميقة في المجتمعات العربية. ان التجربة الفاشلة في حكم الاخوان المسلمين في مصر قبل عدة أعوام اعدت الطريق امام قبول أكبر لفكر معتدل يرفض العقلية المبنية على نهج ديني متطرف يلغي الآخر والذي يقود بالضرورة للمس بالآخرين وبضمنهم المسيحيين. سيكون من المثير متابعة مدى القبول العام في مصر في عام 2018 لحركة التنوير والإصلاح متمثلة بالمفكرين اسلام البحيري وسيد القمني والاعلاميين فاطمة نعوت وإبراهيم عيسى وغيرهم.

محاور سنية - شيعية

التطور الأخير الذي قد يؤثر على أمان المواطنين المسيحيين في الشرق هو المحور الإيراني-السوري -حزب الله والمناهض للمحور السني في المنطقة. وما التحركات السعودية في هذا الشأن وخاصة استقالة رئيس حكومة لبنان سعد الحريري "واختفائه" الغامض في السعودية وتراجعه بعدها عن الاستقالة الا برهان على جدية هذا الاستقطاب. يبدو ان قلق أمريكا (وإسرائيل؟) على حليفاتها مصر والسعودية والأردن بالأساس يجعلها تقوي المحور السني بعتاد واسلحة. ان يد روسيا الطويلة في سوريا اليوم لن تترك المحور الشيعي يتيماً وستشتعل حربًا باردة بين الدولتين العظمتين أمريكا وروسيا لزيادة نفوذهما والمحافظة على مصالحهما على ظهر الدول العربية والإسلامية المصطفة في المحورين. بوجود خطر خارجي مداهم تتقوقع الحكومة وتساير الأغلبية لتبقيها في صفها وتلتهي عن الاهتمام بأمان الأقلية الدينية ولا تلتفت لأي إصلاحات او لمنح حريات لسكانها.  ولكن من الجهة الثانية فان حالة "الحرب الباردة" الناتجة من المحورين السني والشيعي بدعم امريكي وروسي بالتوافق يضمن استقراراً عاماً ووقف الاقتتال مقابل ما شهدناه من حروب أهلية ونزوح اليم.

 

بالمجمل- يمكن النظر بتفاؤل حذر لعام 2018 بما يختص بحالة الأمان تجاه المسيحيين في الشرق. وبكل الأحوال حري بنا رفع الصلوات للعلي لكي "نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار" (1 تيم 2:2)ِ.

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع