• قيامة المسيح رجاؤنا - القس د. منذر اسحق
قيامة المسيح رجاؤنا - القس د. منذر اسحق

أحد القيامة

1 كورنثوس 12:15-24

وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ (1 كورنثوس 14:15)

نحتفل بقيامة يسوع المسيح من الموت هذا العام في ظروفٍ استثنائية – في الحجر المنزلي ومن خلال التكنولوجيا. فلوعينا وحرصنا على السيطرة على انتشار، نتفق ككنائس مع الرأي السائد وتوجيهات الحكومة بأن نحتفل بهذه الطريقة. وسيأتي يوم نخرج فيه جميعًا من هذه الأزمة فنحتفل بالحياة من جديد ونحتفل بالقيامة معًا بطعم آخر ومعنى جديد!

هذه ظروف استثنائية، توحد فيها تقريبًا كلّ العالم في مواجهة التحدي ذاته. لكن في الواقع، الكورونا ذكرتنا أنه لا يوجد شرق وغرب، شمال وجنوب، بل كلنا بشريّة واحدة! همنا واحد ومصلحتنا مشتركة. المشكلة أن سادة المال والحرب تجاهلوا وتناسوا هذا الواقع – وعشنا تحت منطق استغلال بعضنا البعض.

حتى تاريخ اليوم، هناك أكثر من مليون و780 ألف إصابة، وأكثر من 108 ألف حالة وفاة... وهذه الأرقام هي بفعل الحجر المنزلي، وإلا تضاعفت كثيرًا.

اليوم، نجد أنفسنا لا في حجرٍ منزليّ فقط، بل في حجر عقلانيّ أو فكريّ، ونفسيّ، وروحيّ. أقول عقلانيّ أو فكريّ، لأن الكورونا حيّرت البشرية ووضعتها في محنة فلسفيّة وجدانيّة، تبحث عن إجابات عن معنى الحياة ومنطقها. أيعقل أن يُغلق فيروس لا يُرى بالعين المجردة عالمًا بأسره؟ أيعقل أن يعجز الطبّ والعلمُ عن أيجاد دواءٍ لهذا الداء؟ هل تُهدم الأحلام هكذا وبهذه السرعة والسهولة؟ هل أدرك العالم أخيرًا مأساة الاستثمار في الحرب والأسلحة بدلاً من الاستثمار في الإنسان ورعايته؟

أقول حجر نفسيّ لأن الكثيرين اليوم يعيشون في حجر الخوف والقلق من المجهول. بدأنا نفكّر فيما بعد الكورونا وكيف سنتدبّر – محليًا وعالميًا. ربما تنتظرنا أيامٌ صعبة. والكثيرون اليوم يملاهم الفشل والإحباط. لسنا معتادون على مثل هذا الظرف. وبدأنا نتساءل عن أولويات حياتنا وندرك أهميّة العلاقات والإنسان.

وأقول حجر روحي، لأن الكورونا ذكرتنا بمحدوديتنا كبشر أمام الله الخالق... والكثيرون اليوم يبحثون عن إجابات، والكثيرون في خوفٍ التجئوا إلى الله، والكثيرون في غضبٍ لاموا الله وتسائلوا عن جدوى الدين والإيمان. في الواقع، الكورونا كشفت لنا فلسنا الروحيّ من حيث الفراغ الذي يعيشه الإنسان بعيدًا عن الله، وحتى الفلس الأخلاقيّ، خاصة فيما يتعلّق بالقيم والمبادئ، فما زال الضعيف هو الذي يدفع ثمنًا أكبر، حتى أمام الكورونا.

أمام كلّ هذا نقول: المسيح قام... وأنا أومن أنه في القيامة هناك إجابات لعالمنا المتألم اليوم.

قيامة المسيح أساسُ إيماننا المسيحي. نعم، لو لم يكن المسيح قد قام، لكان إيماننا باطلٌ، كما قال الرسول بولس. ولا نبالغ إن قلنا إنه إن لم يكن قيامة لما وجدت المسيحية! فالقيامة هي كلّ شيء! إيماننا بدون قيامة... من جديد: باطل!

القيامة هي انتصار المسيح على من الموت. في الواقع، في القيامة المسيح استهزأ بالموت وكل ما يرتبط بالموت. فكروا معي بقوة الموت! من يقدر منا على إيقافه؟ كل طبّ العالم وكل تكنولوجيا العالم سُخرّت لكي تؤجل الموت قدر المستطاع. ولكن في النهاية لا يمكننا إيقافه. يباغتنا من حيث لا ندري ليقتل أحلامنا. هذه حقيقة واجهتها البشرية بانتشار فايروس الكورونا. فمن يقدر أن يهزم الموت؟ إلا المسيح! فهو داس الموت بموته. سار في وادي ظلّ الموت وخرج منه حيًا منتصرًا.

إيماننا المسيحي إذًا هو أن الكلمة الأخيرة ليست للموت، بل للحياة. الموت ليس لهُ الكلمة الأخيرة! والكورونا ليس لهُ الكلمة الأخيرة. لذا صرخ بولس مستهزئًا: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟"

لن أنسى ما حييت كلمات مدرّسي في كلية اللاهوت عند موته. فلقد صارع السرطان، وربما الأفضل أن أقول إن السرطان صارعه لسنين عديدة وقاسى مدرسي آل الكثير، إلى أن انتصر المرض – أو هكذا اعتقدنا. وفي جنازته، قُرأت كلمات كتبها آل قبل موته لتُقرأ في الجنازة، تحدّث فيها عن اختباره لقوة المسيح خلال مرحلة الألم. وقال في كلمته ما لن أنساه: مع المسيح، عبرت وادي ظلّ الموت، وقادني إلى الجانب الآخر، أرض الأحياء! المرض لم ينتصر. هذه قوة القيامة. وبدونها، سيكون ألمنا بلا معنى، وكلّ الحياة بلا معنى.

وأيضًا، ولذات السبب نؤمن أن الكلمة الأخيرة لا يمكن أن تكون للشرّ والظلم أو التطرّف، ولا لسيطرة القوة والغني على الفقير والضعيف – أصلي ألا تنسينا الكورونا تحديات أصعب وأقسى يواجها عالمنا اليوم. لو بقي المسيح في قبره، لانتصر قيصر وبيلاطس. لانتصرت روما. ولأنتصر الفريسيون. لانتصرت الشريعة. والتطرّف. لانتصر الظالمون ومن يستغلون الفقراء. لانتصر العنصريّون والمستبدون.  لو بقي المسيح في القبر، لكان الظلم انتصر على الحقّ، الشرّ على الخير، القوة والسيف على الوداعة والإيمان.

لو بقي المسيح في قبره جثة متحلّلة، لدفنت معه المثاليّات التي نادى بها، وأضحت مجرّد تعاليم رومانسية غير واقعية لمعلّم فلسطيني عاش في أرضنا – لا أكثر. لما تكلمنا عن ملكوت الله بيننا اليوم. لكن المسيح قام، وقيامته هي انتصار الحياة على الموت، الخير على الشرّ، الحقّ والبرّ على الظلم الشرّ، ملكوت الله على ممالك العالم! لا الموت ولا التطرّف ولا قيصر وعسكره استطاعوا أن يقفوا في طريق المسيح.

نعم، المسيح قام. الموت ليس له الكلمة الأخيرة. والكلمة الأخيرة ليست للموت أو للظلم. ليست للخوف.  ليست للمحتل. ليست لقيصر. ليست للتطرف والتديّن. ليست لليأس. بل للحياة. لذا نؤمن اليوم، لأننا نؤمن بربّ القيامة، وبإله العدالة، إله المحبة، أن منطق الحربّ والقتل والتطرّف لا يمكن أن تكون لها الكلمة الأخيرة في أرضنا. نؤمن أن العدالة قادمة، وأن النصرة لإلهنا. ولأننا نؤمن بربّ القيامة، مؤمن أن الخوف والضعف والموت لا تسود علينا.

اليوم نتذكر إنه لأن المسيح قام، فنحن أيضًا يمكننا أن نختبر النصرة ذاتها. فقيامة المسيح هي قيامتنا، فهو قام وصار باكورة الراقدين، أي أولهم وضامنهم. ولأن المسيح قام، لنا رجاء، اليوم وهنا.

فالقيامة قلبت الموازين: تحوّل بطرس الخائف والجبان إلى ثائرٍ ومبشّر بالمسيح والملكوت... تجولت النائحات على القبر إلى مرنّمات... تحول حزن التلاميذ وفشلهم وإحباطهم إلى فرح وقوة... تحوّل توما الشكّاك إلى مؤمن... تحوّل العسكريّ في جبروته أمام الصليب إلى معترفٍ بابن الله... وكذا نيقوديموس المتديّن. وتحول شاول المتطرّف المضطهِد إلى بولس رسول المحبّة الذي علّم أن المحبة تسمو على كلّ شيء... القيامة قلبت كلّ شيء. غيّرت البشر، بل والتاريخ.

وأصلّي أن نكتشف نحن اليوم وهنا قوة القيامة في حياتنا! فلا نقبع حجر في الخوف والشك والقلق... ولا نقبع في حجر الاستسلام للقدر واليأس. المسيح قام. والقيامة نهجنا؛ رجاؤنا؛ وهي دافعنا للعمل. القيامة تعطينا الرجاء والقوة لنقوم ونبني ونغيّر واقعنا. القيامة تشطب اليأس من قاموسنا، اليأس الذي يشلّ ويحبط الإنسان. القيامة تحررنا من قيود الخوف؛ خوف الموت والمجهول. الخوف من المستبد. القيامة تحثنا بل وتفرض علينا ألا نقبل قيود الظلم والشرّ على أنها واقع لن يتغيّر.

لذا أخيرًا نقول، القيامة تذكرنا بل وتؤكد لنا أن الكلمة الأخيرة لله، وأن "للربّ الخلاصّ"، وأن النصرة لله، للحياة، للحقّ، للمحبة. لنعش معًا قوة القيامة في حياتنا اليوم.

المسيح قام... حقًا قام

المسيح قام... حقًا قام

المسيح قام... حقًا قام

 

 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع