• جوانب أقل شيوعًا لشخصية المطوبة مريم العذراء - عبير عودة - منصور - نحو ذهن متجدد
جوانب أقل شيوعًا لشخصية المطوبة مريم العذراء - عبير عودة - منصور - نحو ذهن متجدد

مقتطفات* من مقال  "جوانب أقل شيوعًا لشخصية المطوبة مريم العذراء" في كتاب "نحو ذهن متجدد"    بقلم السيدة عبير عودة- منصور وهو مستشارة تربوية تحمل اللقب الثاني في الاستشارة واللقب الثاني في الخدمة المسيحية 

 

مريم المُفَكِّرة الجريئة: كان جواب الملاك لمريم وافيًا كردّ على تساؤل مريم، لكنّه عسر الفهم بحسب المنطق البشري. لقد أخبرها عن سبب هذه التّحيّة المُمَيّزة، لكن كيف لها أن تستوعب ما يفوق فهم البشر، ويتعدّى أي معجزة سمعت أو قرأت عنها في الكتب المقدّسة. هنا نرى جرأة مريم، إذ تتفوّه في هذا الموقف المهيب أمام رسول السّماء، الأمر الذي ارتجف منه أكبر المؤمنين والأنبياء، في سؤال يطرح نفسه بشدّة: كيف يمكن أن يحصل ذلك مع فتاة غير متزوّجة؟ وكأنها تقول له اشرح لي، أحتاج أن أفهم ما الذي سيحصل معي. لم يَلُم الملاك جبرائيل مريم العذراء (أو يوبِّخها كما فعل مع زكريا الكاهن- لوقا 1: 19-20)، بل أعطاها شرحًا لكيفية حصول الأمر، ومثالًا حيّا أيضًا عن قدرة الله الفائقة التي تعامل بها مع نسيبتها أليصابات. 

مُجمَل القول عن مزايا مريم من خلال تجاوبها في حديثها مع الملاك، إنها فتاة واعية وجريئة ومستمعة جيّدة، تعالج الأمور التي تقال لها بتفكير عميق، وتحاول أن تفهمها. ولأن قلبها صادق مع الله، وعلى استعداد لتتميم مشيئته في حياتها، فكان سؤالها بهذه الروح الخاضعة، عن الطريقة التي سوف يتمّ بها الأمر، ليس اعتراضًا أو تشكيكًا في كلام الملاك. نلاحظ في هذا المشهد أن الله لا يستاء أو يغضب من أسئلة الإنسان حين يسعى للفهم، دون التّمرّد أو الاستخفاف أو الشّك. لا يريدنا الله أن نكون آلة يديرها هو، بل يريدنا أن نفكّر في الأمور، لنعرف عمق إرادته، وننضمّ إلى خطّته الصّالحة باختيارنا وإرادتنا الحرة. هذا ما فعلته مريم. وهذا ما فعله الله مع مريم.

لا يكشف لنا الكتاب المقدس عمّا فكّرت به مريم، أو كيف تصرَّفت بعد خروج الملاك من عندها. لكن من المُؤَكَّد أنها فكّرت كثيرًا وبعمق. يمكن القول إنّها وَضَعت خطّة عمل أوليّة، بناءً على تأملها برسالة السّماء، وإرشاد الروح القدس الحالّ عليها، للخطوات التي ستتخذها، في كل خطوة في وقتها. ها هي تفهم أنّ الدليل الذي أعطاها إيّاه الملاك عن المعجزة الحاصلة مع نسيبتها، هو دعوة لها للذّهاب إليها. هذا الأمر ليس غريبًا في الشرق، أن ترسل السّيدات بناتهن "الصبايا الصغار" لمساعدة المرأة التي تلد، ليعملن في البيت، أو حتى الاعتناء بالطّفل المولود الجديد، بينما تتماثل الأم الوالدة للاستشفاء من عمليّة الولادة. فما بالك إذا كانت هذه المرأة عجوزًا مُتقدِّمة في السّن. من المحتمل أن فكّرت مريم، أن أليصابات قد تحتاجها قبل ذلك أيضًا. ومن ناحية أخرى ربّما تستفيد من خبرتها في تعامل الله معها كامرأة وزوجة. وربما لأنها زوجة كاهن، يمكن أن تستفسر منها عن المسيّا المنتظر، وما يقوله الكتاب عنه، لتساعدها في فهم ما يحصل معها، وكيف يمكن أن تنقل هذا الخبر لأهلها، وليوسف خطيبها الرّجل البارّ التّقيّ.


* قدم موقع "تعال وانظر" رعاية مشتركة مع كلية بيت لحم للكتاب المقدس وكلية الناصرة الانجيلية لكتاب جديد مميز  يحمل الاسم "نحو  ذهن متجدد" – مساهمات فكرية انجيلية في السياق الفلسطيني. يقع الكتاب في 420 صفحة وسنقوم تباعًا بنشر مقتطفات وأجزاء من المقالات التي فيه في الموقع هنا. طبعًا نشجع القراء الرجوع للكتاب وقراءة المقالات بأكملها بتمعن وليس الاعتماد على المقتطفات التي ننشرها هنا التي تعطي صورة جزئية للغاية.

يمكن الحصول على الكتاب من احدى الجهات الراعية.
 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع