• وحدة الكنائس - بقلم القس حنا كتناشو
وحدة الكنائس - بقلم القس حنا كتناشو

يدعونا الله أن نكون واحدا. ولن أخوض في هذا المقال في تفاصيل الوحدة وأنواعها سواء أكان الحديث عن وحدة تنظيمية أو عقائدية أو في المحبة أو غير ذلك. فمهما كان موقف القارئ فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أهمية السعي نحو الوحدة المسيحية لاسيما في الشرق الأوسط. وبالرغم من كل اختلافاتنا العقائدية والتنظيمية والتاريخية إلا أننا نسيء إلى الله إن لم نتواضع لنبني الجسور مع المسيحي الآخر. ويجب أن نسعى إلى مصافحة اخوتنا المسيحيين دون فوقية وكبرياء بل بروح الوحدة الكتابية أو البيبلية التي تتبع نهج من أخلى نفسه آخذا صورة عبد في سبيل أن يتمجد الله.

أحبائي، الوحدة علامةٌ للإيمان القويم. الوحدة علامةٌ للتواضع. الوحدة علامةٌ للمحبة. الوحدة طريقُ القوة والانتصار. الوحدة خطةُ الله للكنيسة. بديلُ الوحدة هو الانقسام والخصام والتحزب وجلب العار لاسم المسيح وهو الهزيمة الروحية لكنائسنا ولشهادتنا ولمستقبل أولادنا. بديل الوحدة هو النميمة الطائفية والحرب الكلامية والكبرياء الكنسي إذ تصبح الكنيسة "أ" مثل الفريسي الذي ينظر إلى الكنيسة "ب" وكأنها العشار، بدلا من أن يقرع صدره قائلا: اللهم اجعل نور المسيح يُشع فيّ وأنا أغسل أقدام أخوتي وأخواتي كما فعل رب المجد.

وربما يقول أحدهم أن الوحدة قد تكون سلبيةً بدون الله. فلقد اتحد البشرُ ضد الله فبنوا برج بابل واتحد شعب العهد القديم في البرية ليصنعوا العجل الذهبي ويعبدوه واتحد الشعب أيضا وصرخوا قائلين: اصلبه . . . اصلبه. ولهذا يجب أن نتحد مع الله أولا لنتحد مع أولاد وبنات الله. ولكن هل يُعقل أن نصف الذين يؤمنون بالثالوث وبلاهوت المسيح وموته وقيامته ويعيشون بحسب الإنجيل أنهم عبدة عجل ذهبي؟ طبعا، لا وألف لا. هل يُعقل أن نتسرع ونضع الاتهامات الفاسبوكية والتعلقيات ضد كنائس بأكملها وندعي أننا نمثل المسيح؟ ولهذا أصرح بكلمات نبوية صعبة إذ أقول عندما لا يتحد أولاد وبنات الله بالفكر والقلب والسلوك مع بعضهم بعضا فربما يكونون غير متحدين بالله ومنفصلين عنه. ولا تحتكر كنيسة واحدة البنوة الإلهية فلقد شاءت حكمة القدير أن تكون الشجرة المسيحية بعدة فروع. وتعدد فروع الكنيسة فرصة لتمجيد الله لاسيما في الشرق الأوسط.

ويحثنا اليوم الرسول بولس المحبوب طالبا منا أن نسلك كما يحق لدعوة الله لنا "بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضا في المحبة ومجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام" (أفسس 4: 2 – 3). يُقدم لنا الرسول المُبارك سبع صفات آخرها السلام. فمن يطلب السلام مع الآخر يجب أن يبدأ بالتواضع. ويجب أن يَظهر التواضعُ بالوداعة والصبر والاحتمال واظهار المحبة المتألمة والتضحية المصممة على معانقة الآخر وبالتالي سلام الكنيسة المتحدة. ويجب أن نتمهل فلا نصدر القرارات دون الاصغاء والفحص والصلاة.

ويشرح لنا الرسول الوحدة في سُباعية أخرى إذ يقول: جسد واحد، وروح واحد، كما دُعيتم أيضا في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل وفي كلكم (أفسس 4: 4 – 6). نحن واحد ولا نستطيع أن نكون واحدا مع الله إلا إذا كنا واحدا مع بعضنا بعضا. ويقول الكتاب المقدس عن الكنيسة: وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات . . . وجميع الذين آمنوا كانوا معا" فإما أن نكون معا أو لا نكون مرضيين أمام الله. الكنيسة التي تنقطع عن الشركة مع باقي الكنائس تغلق أبواب البركة وتجعل نفسها فريسة سهلة لعدو الكنائس الذي يجول ملتمسا أن يفترس ويدمر.

إضافة إلى ذلك، قال السيد المسيح، له المجد، بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض. لا يتحدث المسيح عن حب نظري وعالمي أو عن حب للصفوف الابتدائية بل عن حب مضحي ومستعد للتنازل ولبناء الجسور وللغفران وللصبر وللخسارة في سبيل الله. فإما أن نكون معا في دائرة المحبة المتبادلة أو نكون غير مرضيين أمام الله ونفقد تأثيرنا وشهادتنا وهويتنا ورسالتنا.

وعندما نكون معا بقلب واحد وفكر المسيح الواحد يملأنا الله من الروح القدس الواحد ويتزعزع المكان بالصلاة وندعم بعضنا بعضا بما أعطانا الله من أموال ومواهب وطاقات. صلوا لسنة 2018 حتى تكون سنةَ تحول حقيقي إذ نخطو خطواتٍ صغيرةً لعناق الأخوة والأخوات من كل الكنائس، وإذ نأخذ قراراتٍ صغيرةً لزيادة الشركة بين الإخوة والأخوات، ونسعى نحو تضحيات متزايدة لسد حاجات الإخوة والأخوات. لتكن سنة 2018 سنة الوحدة. واقترح أن نخصص الصلوات والعظات لموضوع الوحدة وأن نسعى بكل قوتنا أن نشترك معا في أطر الوحدة وفي المؤتمرات والنشاطات وأن نسخّر ما منحنا إياه الله في خدمة الآخر ليس على مستوى الكنيسة المحلية فحسب بل أيضا على مستوى العائلة الكنسية في البلاد وعلى مستوى الكنيسة الجامعة عبر العائلات الكنسية وحول العالم. 

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع