• دور الكنيسة حيال تعنيف المرأة في المجتمع - لمى منصور
دور الكنيسة حيال تعنيف المرأة في المجتمع - لمى منصور

تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي في الايّام الاخيرة قصّة وفاء مصاروة من الطيبة، والتي قتلها زوجها بشكل مروّع. شاهد مُعظمنا فيديو طفلتهما ذات الاربع اعوام تركض في الشارع مُحاوِلةً ان تطلب النجدة لأمهّا المطروحة في البيت. للأسف، ليست وفاء الضحيّة الاولى او الوحيدة، فقد قُتِلَت اثنا عشر امرأة منذ بداية العام، وقد ارتفع عدد مكالمات الإغاثة على "الخطوط الساخنة" للنساء المُعنّفات بمعدّل 40% منذ بداية ازمة الكورونا في اسرائيل. ناهيك عن الإعتداءات العنيفة وحالات الإغتصاب التي نسمع عنها تقريبًا كلّ يوم.

هنا اقف لأتساءل، ما هو ردّ الكنيسة امام هذا الوبأ المُجتمعي الشّنيع؟ هل لدينا، كتابعي الرّب يسوع، ما نُقدّمه لِمجتمع يئنّ تحت وطأة العنف والتحيّز ضد المرأة؟ سأبحث في هذا المقال ثلاثة افكار في هذا الصّدد.

اوّلًا، على الكنيسة ان ترثي وضع المجتمع الحاليّ. في الرثاء، نختبر الالم بعمق، ونوجّه صراخنا لله السيّد (حبقوق 1: 2-4). يدعونا الرّثاء ان نرى الواقع من حولنا ببشاعته، ان نشعر بألم المتألِّمين، وان نصرخ لله ان يتدخّل، مُعلنين عدله وصلاحه. يفيض سفر المزامير بصلوات رثاء صدرت من جبابرة ايمان رأوا طبيعة العالم السّاقطة (مثلًا مزمور 10، 13). لا يصف الكتاب المقدّس العالم بورديّة، ولا يغضّ النظر عن العنف ضدّ النساء. لا يُجمِّل الكتاب المقدّس الواقع، بل يصفه بتفاصيلِهِ الوحشيّة، مُظهرًا بذلك عمق تغلغل الخطيّة في العالم (انظر قصّة جارية اللاوي في قضاة 19، او قصّة بتشبع وداود في صموئيل الثاني 11-12).

هل نُسرِع لإعطاء اجابات بخصوص الشرّ في عالِمنا، باحثين عن تخفيف سريع للألم؟ هل نخصّص كلّ وقتنا في التفكير في السماء حيث لا حزن ولا وجع، مُتغاضين بذلك عن الإرهاب التي تعيشه نساء مجتمعنا اليوم؟ لِنَسمح للرّب من العمل في قلوبنا من خلال قضاء الوقت في الرّثاء. ان كنّا نؤمن ان الله عادل وسيّد، سيكسر قلبنا الظّلم من حولنا، ويدفعنا للرثاء والتوجّه بالالم عند الرّب.

ثانِيًا، على الكنيسة ان تفحص نفسها، وتستأصِل من داخلها ايّ ممارسة قد تبنّتها من الثّقافة القمعيّة المُحيطة بِها. نحن نعلم انّ العنف ضد النساء لا يظهر فجأة، بل يَنبُع مِن تراكُم سنين طويلة من تهميشهنّ، ومن معايير ومُمارسات ظالِمة متأصِّلة في ثقافاتنا. قد تبدو هذه المُمارسات والاقوال غير مؤذية، ولكنّها في الواقع تعزِّز تهميش النّساء وتكوّن ارض خَصِبة لتجريدهنّ من انسانيّتهن.

خلال خدمته على الارض، عامَل يسوع النساء بإحترام وتقدير، غير مُستخفٍّ بعقولهنّ او قدراتهنّ، بعكس الثقافة في ذاك الآن. حاور يسوع المرأة السامريّة واجاب اسئلتها اللاهوتيّة بتوسّع وحكمة (يوحنا 4). شجّع مريم اخت اليعازر ان تتعلّم (لوقا 10)، وكشف لأختها مرثا حقائق لاهوتيّة عظيمة (يوحنا 11). حرّر مريم المجدليّة، واعطاها الشرف ان تكون اوّل شاهدة للمسيح المُقام (يوحنا 20). شفى نازفة الدّم، واصغى لها بينما رَوَت له قصّة حياتها (مرقس 5). اكرم المرأة الخاطئة التي بكت عند قدميه، ودافع عنها امام الفرّيسيّ (لوقا 7). رفع يسوع من مكانة النساء واعطاهنّ اعظم رسالة ليحملوها الى سائر العالم.

هل تقف اليوم الكنيسة بِحزم ضدّ الثقافة العربيّة القمعيّة، متمسِّكة بأنّ جمعينا، رجالًا كنّا ام نساءً، مخلوقون على صورة الله ومثاله؟ وهل تعكس ممارسات الكنيسة هذه القناعة؟ هل تعكس طريقة عمل الكنيسة صورة الملكوت، حيث يعمل الرّجال والنساء جنبًا الى جنب بإحترام ومحبّة لخدمة الرّب الإله؟ فمثلًا، هل نسمح لعِظاتنا ان تستخدم قصص "طريفة" محورها افكار نمطيّة عن النساء مثل كونهنّ ثرثارات، سخيفات، مُتذمِّرات، الخ؟ هل يشترك الجميع في كنائسنا في مهامّ الخدمة العمليّة كالتنظيف والإطعام والإعتناء بالأطفال، ام تقتصر بعض الخدمات على الرّجال واخرى على النّساء؟ هل ننظر للجميع بإحترام ونتطرّق لإحتياجات المهمّشين بيننا بجدّية؟ ليست هذه اقتراحات غريبة او جديدة، فقد عيّنت الكنيسة الاولى سبعة رجال لِخدمة احتياجات الارامل! (اعمال الرسل 6 : 1-3)

ثالِثًا، على الكنيسة ان تكون اعلى صوت في مكافحة العنف بشكل عام، والعنف ضِدّ النساء بشكِل خاصّ. كلّ شخص على وجه الارض يحمل صورة الله، لذا فالإعتداء على ايّ انسان يحمِل بُعدًا روحيًّا وليس ارضيًا جسديًا فَحَسب. يَطلب منّا الكتاب ان نفتح فمنا لأجل الاخرَس، ونُحامِ عن الضعيف (امثال 31 : 8-9).

ايضًا، ان كنّا نؤمن بالأخبار السارّة، علينا الّا نبقيها داخل اسوار الكنيسة. تخيّل كم تحتاج ضحيّة العنف لأن تعرف انّ الله قد خلقها على صورته ومثاله، انّه يتوق لعلاقة شخصيّة معها وانّ المعاناة التي تمرّ بها هي ليست "قضاء وقدر" بل اساءة شخصيّة بحقّ الله! تخيّل كم يحتاج المُعتدِ ان يعلم انّ الله عادِل ومحبّ، وانّه عندما يُدرِك حقارة افعالِه ويتوب بالفِعِل (ويواجه العواقب المدنيّة)، سيكون غفران الله مُتاح لَهُ.

عندما نصلّي "ليأتِ ملكوتُكَ"، نحن نطلب ان تتمّ مشيئة الله في مُجتمعاتنا وان تسود مبادئ الملكوت بلادنا- مبادئ المحبّة والعدالة والسّلام. عندما يدعونا الكتاب لنكون نور وملح، يدعونا ان نكون مُعادين للثقافة المحيطة بِنا ان كانت لا تُرضي الله ولا تتفق مع قِيَم ملكوته. يستشري العنف ضد النساء في مجتمعنا، وهذا يحزن قلب الله. لنفكّر معًا: ما هي رسالتنا للضحيّات؟ ما هي رسالتنا للمُعتدين؟ وما هي رسالتنا للمُجتمع الذي ينمّي ويعزّز هذا العنف؟ ليُرشدنا الله لنكون نور على منارة لأجل اسمه.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع