• إسرائيل والكنيسة والكتاب المقدس (الجزء الثاني) - بقلم: شكري حبيبي
إسرائيل والكنيسة والكتاب المقدس (الجزء الثاني) - بقلم: شكري حبيبي

هدف هذه الدراسة: الكشف عن تحقق نبوءات العهد القديم في العهد الجديد. وأن نبوءات العهد القديم عن المسيح وملكوت الله قد تحققت بطريقة جديدة غير متوقعة.

في دراستنا الأولى، درسنا نبوءات العهد القديم المتعلقة بمجيء المسيح وملكوت الله.

وتعلّمنا أن الله وعد إبراهيم بأن "نسله"، الذي هو المسيح، سيكون بركة لجميع الأمم.

وتحدّثنا عن وعد الله للملك داود ولعدد من الأنبياء، أن من نسل داود سيأتي المسيح الملك.

وعلمنا أنه كما تنبأ النبي دانيال، أتى المسيح خلال زمان المملكة الرابعة، الإمبراطورية الرومانية، معلنًا ملكوت الله. وقد كتب الرسول بولس قائلاً: "وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ..."(غلاطية 4: 4).

وتبيّن لنا أنه عندما ظهر الملاك جبرائيل لمريم العذراء، أعطاها رسالة تتفق مع كلمات النبي إشعياء. قال جبرائيل: إن الطفل الذي سيولد سيُعطَى "كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ" (لوقا 1: 32ب-33).

وهذا يثير سؤالًا مهمًا: هل جلس المسيح على عرش داود أبيه؟ ومتى حدث هذا؟ سنجيب عن هذه التساؤلات لاحقًا في دراستنا.

سنكتشف اليوم، تحقّق هذه الوعود والنبوءات التي وردت في العهد القديم بمجيء المسيح، والعهد الجديد الذي بدأه.

 

1. طبيعة ملكوت الله

ماذا كانت الرسالة المركزية لكرازة المسيح؟ والجواب بالطبع هو: ملكوت الله. هذه نقطة هامة جداً. في إنجيل مرقس، نقرأ: "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ، وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ" (مرقس 1: 15). ويردد إنجيل متى هذه الرسالة: "مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ: «تُوبُوا لأَنّهَ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ »" (متى 4: 17).

من الواضح أنه عندما جاء المسيح، كان ملكوت الله قد بدأ بالتحقق. هل هناك أي شك في هذه الحقيقة؟

ما هي طبيعة الملكوت الذي أعلنه المسيح؟ يمكننا إيجاد الإجابة في أمثال المسيح (متى الإصحاح 13) والموعظة على الجبل (متى الإصحاحات 5-7). في الوقت الحالي، دعونا نركز على أمثال المسيح.

أمثال المسيح

في مثل الزوان (متى 13: 24-30، 36-43)، شبّه المسيح ملكوت السماوات أو ملكوت الله، بإنسان زرع زرعًا جيدًا في حقله، لكن عدوّه زرع زوانًا في وسط الحنطة. وعندما سأل الخدام عمّا إذا كان ينبغي عليهم اقتلاع الزوان، أجاب المالك: "دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعاً إِلَى الْحَصَادِ" (متى 13: 30). وشرح المسيح لاحقًا هذا المثل لتلاميذه، كاشفًا أنّ في ملكوته، سيتعايش كلٌ من "بني الملكوت" و "بني الشرير" حتى وقت الحصاد الذي هو انقضاء العالم، أي إلى نهاية الدهر الحالي ويوم الدينونة.

في مثلي حبة الخردل والخميرة (متى 13: 31-33)، تحدّث المسيح عن انتشار وازدهار ملكوت الله في جميع أنحاء العالم. وفي مثل شبكة الصيد المطروحة في البحر، والجامعة من كل نوع، (متى 13: 47-50)، وصف المسيح انقضاء العالم، عندما سيفرز الله الأشرار عن الأبرار.

من هذه الأمثال، يمكننا أن نستنتج، أن ملكوت الله قد أتى بطريقة غير متوقعة، وغير مرئية، وروحية. لم يتوقع أحد أن يأتي الملكوت ككيان روحي ينتشر إلى جميع الشعوب، وليس لأمة واحدة فقط. وسيستمر هذا الملكوت الروحي حتى نهاية العالم، عندما يعود المسيح في مجيئه الثاني، ويأتي يوم الدينونة، ويبدأ الملكوت الأبدي.

ما هي أسرار ملكوت الله؟

هذا بالضبط ما قصده المسيح وأشار إليه باسم "أسرار الملكوت". قال لتلاميذه: "لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ" (متى 13: 11). كان اليهود وحتى التلاميذ يتوقعون ملكوتًا أرضيًا، لكن كانت لله خطة مختلفة: أن يؤسس المسيح ملكوتًا روحيًا لجميع الشعوب (متى 13: 16-17).

ماذا يعني هذا بالنسبة لنا اليوم؟ إنه يعني أن جميع الوعود والنبوءات التي قُدمت لشعب إسرائيل حول مجيء المسيح وملكوته، قد تحققت بالكامل عندما أتى المسيح وأعلنَ ملكوتَ الله.

في الواقع، كان ملكوت الله قد أصبح في متناول اليد عندما جاء المسيح. لقد شفى المسيح الناس، وحرّرهم من الخطيئة وقوة الشيطان. لهذا السبب قال يسوع لليهود ذات مرة: "وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ" (متى 12: 28). وهذا يتحدى بشكل مباشر "لاهوت التأجيل"، أو "اللاهوت التدبيري"، الذي يزعم أن ملكوت الله لن يظهر إلا في المستقبل بعد المجيء الثاني للمسيح. سنناقش هذه المسألة بمزيد من التفصيل لاحقًا.

 

2. هل جلس المسيح على عرش داود؟

الآن يمكننا أن نتناول السؤال: هل جلس المسيح على عرش داود أبيه، ومتى حدث هذا؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، يجب أن نتأمل أولاً في الأحداث التي وقعت بعد قيامة المسيح.

أ. الطريق إلى عمواس: بعد قيامته، ظهر المسيح لتلميذين في طريقهما إلى عمواس. سمعهما يتناقشان حول موته. وسألهما عما يتحدثان عنه. أجابا: "وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ" (لوقا 24: 21). وبهذا، كانا يعنيان أنهما كانا يأملان أن يحرر المسيح إسرائيل، ويؤسس مملكته، ويجلس على عرش الملك داود.

كان رد المسيح غير مُتوقع ومُدهش. قال لهما: "أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟" (لوقا 24: 25-26). ثم "شَرَحَ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لوقا 24: 27)، بدءاً من موسى وجميع الأنبياء.

بمعنى آخر، كان المسيح يقول: "نعم، لقد حققت رجاءكما في فداء إسرائيل، ولكن بطريقة لم تتوقعاها أبدًا." وأخبرهما أن جميع نبوءات العهد القديم تحدثت عن عمله الفدائي. لاحظ أن المسيح قال إنه "سيدخل إلى مَجْدِهِ" بعد الألم. وهذا يعني أنه سيمُجَّد كابن للإنسان في قيامته ويتوَّج كملك. وبعدئذ أخبر المسيح التلاميذ مجتمعين قائلاً: "هذا هو الكلام الذي كلّمتُكُم به، وأنا معكُم: أنه لا بدّ أن يتمّ جميعُ ما هو مكتوبٌ عني في نامُوسِ موسى والأنبياء والمزامير"(لوقا44:24). وهذا يعني كل كتب العهد القديم.

 

متى جلس المسيح على عرش الملك داود

ب. عِظة الرسول بطرس: (أعمال الرسل 25:2-36) مَقطع آخر يتحدث بوضوح عن جلوس المسيح على عرش داود هو عِظة الرسول بطرس الأولى بعد يوم الخمسين. مقتبسًا من المزمور 16: 8-11، قال بطرس عن داود: "فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنْ يُقِيمَ مِن ثَمَرَةِ صُلْبِهِ حَسَبَ الْجَسَدِ الْمَسِيحَ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً. فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ... وإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ..." (أعمال 2: 30-33أ).

ثم اقتبس بطرس من المزمور 110: "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ" (أعمال 2: 34ب).

واختتم بقوله: "فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبّاً وَمَسِيحاً" (أعمال 2: 36). كما تحدث

الرسول بولس عن الوعود التي أُعطيت للملك داود وكيف تحققت من خلال قيامة يسوع المسيح (انظر أعمال 13: 32-34).

الخُلاصة

من الواضح أن المسيح، من خلال قيامته، لم يجلس فقط على عرش الملك داود بل جلس أيضًا عن يمين الله، حيث نال كل قوة ومجد. هذا هو الملكوت الروحي الذي جاء المسيح ليؤسسه، ملكوت غير مؤقت يشمل جميع شعوب الأرض. وهذا يعيدنا إلى نبوءة دانيال في الإصحاح 7: 13-14، حيث تنبأ بمجيء ابن الإنسان على سُحب السماء، أي بقيامة المسيح المظفّرة وجلوسه عن يمين الله وتمجّده، لكي تتعبد له كل الشعوب. مرّة أخرى، يظهر هنا "لاهوت التأجيل" أو "اللاهوت التدبيري". لا يرى بعض اللاهوتيين بقيامة المسيح على أنها تحقيق لجلوسه على عرش داود. بل يؤجلون هذا التحقق حتى المجيء الثاني للمسيح، عندما يؤسس المسيح مملكته الأرضية. فهم يعتقدون خطأً، أنه بذلك يُتمِّم نبوءات العهد القديم لشعب إسرائيل بالملكوت. لأنّه بحسب ظنهم، بما أن اليهود قد رفضوا المسيح كملك في مجيئه الأول، لهذا أجَّل الله ملكوته لإسرائيل حتى عودة المسيح ثانية.

 

3. من هو شعب الله؟

للإجابة عن هذا السؤال الهام، يمكننا أن نذهب إلى رسالة الرسول بولس إلى أهل أفسس، الإصحاح 2، الآيات 11-22. هنا، يذكّر الرسول بولس المؤمنين من الأمم بحياتهم الماضية، عندما كانوا "بدون مَسِيحٍ، وَأَجَنبيين عَنْ رعويّة إِسْرَائِيلَ، وغرباء عن عهود الموعد، ولاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلَهٍ فِي الْعَالَمِ". ثم يقول: "وَلكنٍ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ" (أفسس 2: 12-13).

ثم يقدّم الرسول بولس حقيقة هامة: "لأَنَّهُ هُوَ – أي المسيح - سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ... لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَاناً وَاحِداً جَدِيداً، صَانِعاً سَلاَماً، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ" (أفسس 2: 14-16). المجموعتان هنا هما اليهود المسيحيون والأمم المسيحيون. إن تركيز بولس على "إنسان واحد جديد" يعني أن هناك الآن شعباً واحداً لله، وليس شعبين، يتكون من المؤمنين بالمسيح من اليهود والأمم.

شعب واحد جديد لله

وختم الرسول بولس حديثه موجهاً كلامه إلى المؤمنين من الأمم، قائلاً: "فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَلاَ نُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلُ بَيْتِ اللهِ" (أفسس 2: 19). لقد قال سابقًا إنهم كانوا "أَجَنبيين عَنْ رعويّة إِسْرَائِيلَ،" لكنه الآن يقول إنهم "رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ". وهذا يدل على أن هناك الآن إسرائيل واحد، أي شعب واحد جديد لله، يتكوّن من الأمم واليهود المؤمنين بالمسيح. وهذا يتفق مع ما قاله يسوع ذات مرة: "وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً، فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ" (يوحنا 10: 16).

ما هو سرّ المسيح؟

وهذا يقودنا إلى حقيقة هامة أخرى. في أفسس الإصحاح 3، كتب الرسول بولس عن "سِرِّ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ بَنُو الْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ الْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ. أَنَّ الأُمَمَ شركاءٌ في الميراثِ والَجَسَدِ ونوالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ" (أفسس 3: 5-6). هذا هو السر إذاً: أن الأمم الآن هم ورثة يشتركون مع إسرائيل في ملكوت الله. لا يوجد فصل بينهم، ولا توجد الاَن وعود أرضية منفصلة لإسرائيل، بمعزل عن يسوع المسيح والعهد الجديد.

شجرة زيتون واحدة

وهذا يتفق مع ما كتبه الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية، الإصحاح 11، حول تطعيم الأمم في شجرة الزيتون، التي تشير

إلى شعب الله، ومشاركتهم في " أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ ودسمها" (رومية 11: 17). هناك الآن إذاً شجرة زيتون واحدة تمثّل شعب الله، الذين يشتركون معاً في جميع امتيازات ملكوت الله. كما تحدّث الرسول يعقوب عن هذا في مجمع أورشليم الأول، عندما اقتبس من النبي عاموس بخصوص إعادة بناء وإصلاح "مِظَلَّةِ دَاوُدَ السَّاقِطَةِ": "لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ، وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ" (أعمال 15: 16). هذا ما أسميه "لاهوت الإتمام أو (المُحقّق)"، وليس "لاهوت الاستبدال".

 

4. من هو نسل إبراهيم؟

من دراستنا الأولى، تعلّمنا أن الذين يؤمنون بالمسيح هم أبناء إبراهيم، محققين بذلك وعد الله له: "تَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ". واختتم الرسول بولس الإصحاح 3 من رسالته إلى أهل غلاطية بهذه الآيات: "لأَنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ. لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غلاطية 3: 26-28).

ثم أعلن الرسول بولس حقيقة هامة: "فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ" (غلاطية 3: 29).

إذًا، من هو نسل إبراهيم بعد مجيء المسيح؟ الإجابة هي بوضوح الكنيسة. يوجد شعب واحد لله، وليس شعبان. والسؤال الذي نحتاج لمناقشته الآن هو: ما هو نوع الميراث الذي ستحصل عليه الكنيسة وفقًا للوعد لإبراهيم؟ سنجيب عن ذلك الآن.

 

5. طبيعة ميراث الكنيسة

للإجابة عن هذا السؤال، سنعود إلى رسالة الرسول بولس إلى أهل رومية، الإصحاح 4. في هذا الإصحاح، يقارن الرسول بولس بين الإيمان والأعمال، مشيرًا إلى أن إبراهيم تبرّر بالإيمان، وليس بأعماله، وقد حدث هذا قبل أن يُختتن. ثم يصل بولس إلى هذا الاستنتاج: "ليكونَ [ أي إبراهيم] أَباً لجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ" (رومية 4: 11). وهذا يعني أنه أب لجميع المؤمنين، سواء كانوا مختونين أو غير مختونين.

في الآيتين 13 و 14، يُدلي الرسول بولس بهذا التصريح الهام: "فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثاً لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِينَ مِنَ النَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تعطّلَ الإِيمَانُ وَبَطُلَ الْوَعْدُ".

نلاحظ هنا أمرين مهمين:

  1. لا يتحدث الرسول بولس عن ميراث أرض محددة، بل عن ميراث الْعَالَمِ. لماذا؟ لأن قصد الله منذ البداية كان أن يعطي شعبه، من خلال المسيح (نسل إبراهيم)، نوعًا مختلفًا من الميراث — ليس ميراثًا أرضيًا، بل ميراث ملكوت الله. هذا الملكوت سيكون أولاً روحيًا، ثم أبديًا. ولهذا قال المسيح: "طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ" (متى 5: 5).
  2. يؤكد لنا الرسول بولس أنه بعد المسيح، فإن وعود الميراث هذه لا تتعلق بالذين يعيشون تحت الناموس. إذا كانت كذلك، "فَقَدْ تعطّلَ الإِيمَانُ وَبَطُلَ الْوَعْدُ".

فلمن إذاً تكون وعود الميراث هذه؟ أجابنا الرسول بولس في الآيتين 16 و17أ: "لِهَذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وطيداً لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لِأُمَمٍ كثيرةٍ».

يمكننا أن نستنتج إذاً أن الكنيسة، بصفتها نسل إبراهيم من خلال الإيمان بالمسيح، هي التي ترث الوعد بملكوت الله.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع